تُغازلني الألوان أينما ذهبت؛ الأحمرُ والأصفرُ والأزرق، صافيةً، شهوانيّةً، متوهّجة، ومحرِّضة في بعض الأحيان؛ فوجهُ مخدّتي أزرق بحريّ، فيما يتمدّد الأصفرُ العسليّ مغازلاً لطخاتٍ من البنيّ على معظم مساحة غطائي (بطّانيتي)، أمّا الأحمر الخمريّ فيفترشُ خيالاتي تاركاً لروحي أن تطوفَ بفرح.
منذ يومين، كنت أدفّئ عظامي تحت الشمس، مغمضاً عيني نصف إغماضة بسبب أشعتها المائلة الحادّة، التفتُّ قليلاً لأن شيئاً ما قريباً يصدر حفيفاً وتماوجاً! كان هناك على حبل الغسيل شالٌ بلون الرمّان.. هكذا تكوّن المشهد السينمائي بألوانه الساحرة المُغوية: مخدتي أزرقُ سماءٍ صافية بعد ليلةٍ عاصفة، وشمسٌ ترسل وهجها الذهبيّ لتغمر موجودات الكون، والشالُ يُعلِن عن نفسه مختالاً بجماله.
لو تقصّدت أن أجاورَ تلك التفاصيل معاً في لمسةِ السينوغرافيا لما نجحتُ كما تبدّت هي ذاتها في «شيئيّتها» الطبيعيّة المدهشة، وكأنّ ما يحصل ليس صدفة مجرَّدة بقدر ما هو إيحاءُ صدفةٍ تمّت صياغتها بفعل الرغبة العميقة بحدوثها!.
هل هو العقل الباطن إذاً مَنْ يجعلُ العقلَ الواعي ينتبه لما تحبُّه الروح فتبحثُ عنه توّاقةً لمِا حَجبَتهُ عنها أحداثٌ معيشيّةٌ وتفاصيل يومية أكثر قسوة ومرارة؟.
هكذا، ولأن للصدف احتمالاتُها اللانهائية، اكتشفتُ أيضاً بعضاً منّي حين قررنا أنا وأختي، للتخفيف عن النفس، أن نتبارى في رسم لوحتين لنرى أيّهما الأجمل. بل اكتشفت بعضاً مما كان كامناً أو مؤجّلاً أو مقموعاً أو خجِلاً ومرتبكاً في شخصيتي، ولكنَّ لمسةَ اللعبِ السحريّة؛ أي تلكَ الخفّة المحمولة على شقاوة استعادة ذكريات الطفولة مع أختي، حملتني إلى اكتشافٍ آخر أكثر أهمية أو بدقة أكثر جعلتني أدرك أهميّة «التغيير» في حياة الإنسان، وأنّ أي تغيير يطمح إليه الإنسان لا يمكن أن يكتمل ويرتقي إنْ لم يُقْدِم عليه المرء بشجاعة من يَمرح، وليس بتهوّر من يُقاتل أو برعونة وثَوَرانِ الغاضب!.
هل يمكن أن نطبّق ما ذكرتُه على حال البلد؟ فربما هذه هي حال الكثيرين اليوم؛ ممن يريدون «تغيير» الأوضاع، والخلاص من رتابة العيش؛ لكن يفوتهم أن «يتغيّروا» هم أنفسهم أولاً وبأيديهم ذاتها غير مدركين لنعمة التجدد وإشراقاتها المبهجة للأرواح المحزونة!.