الولايات المتحدة وحروبها العبثية
تقوم السياسة الأمريكية لدى كافة الإدارات المتعاقبة على الثوابت التالية:
1ـ الثروات النفطية، حيث تعتبر الولايات المتحدة هذه الثروات “ملكاً خالصاً” لها أينما وجدت، ومهما كانت بعيدة خارج القارة الأمريكية، وهي تشكل جوهر ومضمون أمنها القومي -حسب هنري كيسنجر- أحد كبار منظري السياسة الأمريكية المعاصرين.
2- المجمع الصناعي العسكري بما تشكله تروستات صناعة وتسويق آلة الحرب والدمار.
3- المجمع اللاهوتي الكهنوتي وله اليد الطولى في رسم السياسة الأمريكية، وتحركه وتديره العقيدة الدينية المتصهينة لما أصبح يعرف (بالمحافظين الجدد).
لم تنتبه أميركا أو هي مرغمة على تجاهل حقيقة ساطعة، وهي أن حروبها الدائمة تؤدي بالضرورة إلى حركة مناهضة لحروبها في كل مكان، وعليه تدرك أن حروبها الفاشلة والعبثية تدفعها رغماً عنها إلى الوقوع في أزمات داخلية ودولية خطيرة.
لقد أخذت الإستراتيجية الأمريكية العسكرية، أقربه، منذ غزو العراق وحتى يومنا تتخبط مخلفة دماراً هائلاً وتخريباً للعلاقات الدولية.
إخفاق وتخبط وفشل، لازالت آثاره باقية وممتدة حتى يومنا هذا، وستظل الآثار سائدة لفترات في المستقبل، وفي هذا الإطار كانت السياسة الأمريكية ترى أنه من أهم مقومات القوة العظمى، وأهم ما تحتاجه لإضفاء “المصداقية” على إستراتيجيتها للأمن القومي، هو أن تكون هذه القوة قادرة على خوض حربين إقليميتين رئيستين في وقت واحد، ولكن بسبب عقد (فيتنام وأفغانستان والعراق) وتجاربها المريرة في هذه الدول، لجأ الكونغرس الأمريكي إلى الاكتفاء بالقدرة على خوض حرب رئيسة.
ما يثير في السياسة الأمريكية أنها تعتمد بالدرجة الأولى على التكنولوجيا والبدع الإلكترونية الشبيهة بألعاب (الفيديو غيم) التي يمارسها الشباب والأطفال في العصر الحديث، أما الشعوب فهي تقاوم بضراوة من أجل البقاء في أوطانها ومن أجل الحرية والاستقلال، فالحرب التي شنّتها الولايات المتحدة على شعوب المنطقة ومنها العراق وسورية كانت حرباً مدمرة طالت الأرض والإنسان العربي من أجل أن تبقى “إسرائيل” هي السيد القوي في المنطقة.
يعرف الأمريكيون جيداً (أنه خلال السنوات الطويلة والمريرة في حروب فيتنام وأفغانستان والعراق وعدوانها على سورية، عندما لجؤوا إلى مبدأ قياس قوة القتال وضراوته بعدد الأطنان من القنابل التي يلقونها فوق رؤوس الناس، وعدد الجثث التي يحصونها بعد هذا القصف الجوي الذي استمر سنوات) أن ذلك لم يؤدِّ إلى تحقيق الهدف من الحروب، وأن كل ما استطاع تحقيقه في أفضل الأحوال هو قتل الأبرياء وحرق الزرع والضرع والحجر، وتجويع الشعوب، وهذا ما تريده أمريكا، حسب مفهومها، ويتكرر هذا السيناريو في سورية.
نحن اليوم نرى أمريكا تتودد للشعوب العربية والإسلامية بدغدغة أحلامها (بجزرة) الحرية والديمقراطية وهي التي طالما أشبعتهم قتلاً وجوعاً وتخويفاً وعلى مدى نصف قرن من الزمن بدعمها اللامحدود لـ”إسرائيل” وعامل تخلفهم الأقوى، أما المبكي في هذا السياق فهو تلك السذاجة العجيبة التي يتبارى في إظهارها بعض من حكام العرب وهم يصفقون طرباً لقاتل آبائهم ومغتصب أعراض شعوبهم، وسجون غوانتنامو ومعتقلات الجيش الأمريكي في العراق برهان ساطع على جريمة من أراق أو تسبّب في إراقة وهدر الدم العربي في ليبيا والعراق والصومال والسودان ومصر وسورية ولبنان وفلسطين بدعاوى ماكرة ومنها “ربيع” موعود لم تقطف الجماهير العربية من ثمراته سوى علقمها إذ أصبحت الساحة العربية برمتها مرتعاً للقتل والتخريب والفوضى العارمة وتسربلت شعوبها بالحسرة والندم والدم.
أكاديمي وكاتب عراقي