من الطبيعي أن تختلف تفاصيل محددات السيادة من دولة لأخرى، فهذا الأمر -كما جميع المفاهيم السياسية- له مسبباته الطبيعية للتكون، فهو يمكن أن ينشأ عن تراكم الحضارات التي مرت على هذه الدول، وقد يكون مرده لطبيعة الأعراف والتقاليد التي يعيشها أبناء هذه الدول، وربما يكون ناتجاً عن الحياة السياسية في هذا البلد أو ذاك، بالإضافة إلى التجربة الحزبية وهيكلية الأحزاب الموجودة في هذه البلدان، إلا أن هذه الأسباب -في المطلق- لا يمكن أن تكون مقبولة لتبرير الاختلاف على مفهوم واحد أساسي، كمفهوم السيادة، بين أبناء البلد الواحد، فهنا المفترض أنهم جميعاً ولدوا من رحم الحضارات ذاتها، وعاشوا الأعراف والتقاليد نفسها.
في الحالة السورية، وفي ظل الحرب التي فرضت عليها، من الطبيعي أن تتطور بعض هذه الاختلافات لتصبح خلافات، يمكن أن تكون حادة أحياناً؛ لكن ما هو غير طبيعي، وينبغي التوقف عنده مطولاً، هو أن تصل الأمور ببعض من يعتبرون أنفسهم يعملون في “المعارضة السياسية”، بأن يبرروا احتلال جزء من أراضي البلاد، أو الدعوة للتدخل عسكرياً فيها، أو التشجيع على فرض إجراءات أحادية أقسى على الشعب، وحتى طلب فرض عقوبات دولية؛ هنا تنتفي صفة الخلاف والاختلاف، ويصبح من حق كل مواطن سوري أن يصف هذه الحالة بالطريقة التي يريدها، خاصة أن انعكاساتها السلبية على الوطن يمكن أن تكون وجودية.
عندما تطرح إحدى “المعارضات” المشاركات في الجولة الخامسة من اجتماعات اللجنة الدستورية بجنيف أن الولايات المتحدة لها الحق بإرسال جنودها إلى سورية، لأنها تعتبر أن ما يجري فيها يشكل خطراً على أمنها القومي، ويحاول آخر تبرير الاحتلال التركي من خلال القول إن دخول القوات التركية تم بموجب “اتفاقات أمنية” بين الجانبين السوري والتركي، وعندما يستخدم البعض قوانين حقوق الإنسان لفرض قيود على الأجهزة الحكومية تمنعها من اتخاذ أي إجراءات حتى بحق الإرهابيين، وحين يضعون جميعاً شروطاً مسبقة حول عودة اللاجئين السوريين إلى منازلهم، ويدعون إلى الإبقاء على العقوبات، لا بل تشديدها أكثر وأكثر، وكيف لا يفعلون ذلك وهم أصلاً من أوائل المحرضين على فرض العقوبات على لقمة عيش المواطن، وغير ذلك من الأفكار والطروحات التي أقل ما يقال عنها إنها تخريبية، عندها من الطبيعي الاختلاف معهم وعدم مجاراتهم، لا بل من الواجب القانوني والأخلاقي عدم السماح لهم بتحقيق أجندتهم على حساب الشعب السوري، وهذا أمر ليس بيد أحد التنازل عنه وإلا فإنه سيخضع لمحاكمة الشعب والتاريخ معاً.
وللحق فقط، أجد من الضروري القول إن الدورات التدريبية التي قدمتها أجهزة استخبارات الدول المعادية للشعب السوري لأدواتها الذين سمتهم لاحقاً “معارضة”، فيها الكثير من الاحترافية، خاصة لجهة تغليف أفكارهم التخريبية بغطاء القوانين الدولية أحياناً، والوجه الإنساني في معظم الأحيان، فليس من السهل على سبيل المثال أن تصيغ دفاعك عن فكرة تجويع الشعب بكلمات تعتمد على القوانين الإنسانية الدولية، بالإضافة إلى أن كل دولة قدمت مثل هذه الدورات والتمويل وغير ذلك من الدعم، تمكنت من ضمان قيام أدواتها بالدفاع بشكل فطري عن مصالح تلك الدول على حساب مصالح بلدهم، وهذا أيضاً يحسب لتلك الدول، بالرغم من حقيقة أن تلك الدول لم تكن لتنجح بذلك لولا ارتضاء هؤلاء “السوريين” وقابليتهم للعمل ضد بلدهم، وضد مصالح الشعب السوري.
فالذي رضي بالدعم والتدريب التركي، من الطبيعي أن يسعى لاستمرار هذا الدعم حتى لو كان ذلك على حساب احتلال أراضي بلده، ومن يعول على أمريكا لتسليمه مقاليد الحكم في بلده أو لمساعدته على تنفيس أحقاده على بلده، ليس مستغرباً أن يعتبر وجود قوات احتلال أميركية في أراضي سورية دفاعاً عن أمن واشنطن القومي.
بالنتيجة يمكن أن نفهم وصف “المعارضات” للجولة الخامسة من اجتماعات اللجنة الدستورية بأنها فاشلة لأنهم عندما يصفونها بالناجحة فذلك حكماً يعني نجاحهم في تسليم البلد لأعدائه الذين يسعون بكل الوسائل لتحقيق مصالحهم حتى لو كان على حساب حياة الشعب السوري ووجوده، والحرب الإرهابية وما رافقها من عقوبات جائرة غير قانونية على سورية خير مثال على ذلك.