في وغى العيش

كان أحد الأصدقاء كثيرَ اللجوء إلى القول «إنَّ يداً واحدةً لا تصفق» وربما كان يقولها بطريقةٍ مختلفة ميّزته عن غيره، ذلك أنه يتوكأ عليها، للحديث عن الأسرة إذا ما لمس تقصيراً ما من أحد الأبناء أو اختلافاً «طبيعياً» في النظر إلى أمور الحياة وطرق معالجتها، وكان يتوكأ عليها إذا شكا إليه أحدُهم همَّ الدنيا وشظف العيش، وعلى هذا المنوال كان لا بدّ من أن يتميّز بتوظيفه لهذا المثل سواءٌ بالطريقة التي كان يأتي على ذكره فيه تلقائياً، أو بكثرة ترداده له من باب «مَن أكثرَ من شيءٍ عُرِف به»، ولعلَّ من السهل معرفة الدلالة الواضحة التي يشير إليها هذا القول وبالأصابع الخمسة، إنه دعوةٌ إلى التعاون والتعاضد بين الناس لإنجاز ما يعود بالنفع الجماعي عليهم من جهة وشكوى من تقاعس المتقاعسين أو المهملين منهم وغير المُبالين من جهة أخرى، فاللجوء إلى التعاون هو وليد وعيٍ بقيمة ما يولّده ذلك من همةٍ فاعلةٍ منجزة، وهذه الهمّة لابد من أن تؤتي أُكلها، وليس من الحكمة في شيء أن يقنط أحدٌ من جميل السعي، ولعلَّ هذا ما كان يقصده شوقي:
إنّ الرجالَ إذا ما أُلجِئوا لجأوا
إلى التعاون فيما جلَّ أو حزبا
لا تعدمُ الهمةُ الكبرى جوائزها
سيّان من غلب الأيامَ أو غلبا
وكلُّ سعيٍ سيجزي الله ساعيَهُ
هيهاتَ يذهبُ سعيُ المحسنين سُدى
ومن أجل هذا فقد ذهب بعضهم إلى جعل التعاضد أهمَ الأعتدة التي تحقق المنعة وتحفظ من الوقوع في ضباب الضياع، ذلك أن في فقدان فرص التعاون والتعاضد الواعيين ما قد يؤدي إلى الخيبة، فالتعاون والاتحاد سلاحان مهمّان بل من أهم ما يمكن أن يستخدمه مجتمعٌ ما في خوض غمار وغى العيش، أمّا ما أطلق عليه ذوو البصائر متاعاً فهو أقصر وأحقر من أن يستجلب الحقد أو الحرص، فيستفزَّ القلوب بالأحقاد على رأي الرّصافي في قصيدةٍ جميلة مطلعها:
خاب قومٌ أتوا وغى العيش عُزلاً
من سلاحي تعاونٍ واتّحادِ
وأحبُ أن أختم ببيتي أبي فراس الحمداني:
إذا لم يعنك الله في كل مسلك
ضللت ولو أن السِّماك دليلُ

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار