وليس كثيراً
ما أحسن دوامَ الأخوّة واستمرارها في تقلّب الأحوال والظروف، ذلك يٌعدّ مقياساً مصداقاً لحقيقتها، فالودُّ إذا كان صادقاً هو الثروةُ الحقيقية بين الناس.. يأتي على ذكر قرائن افتراضية بينهم وما يؤولون إليه في حالاتٍ شتى؛ شاعرٌ قديم، مقدّماً ذلك على شكلِ وزنٍ شعريٍ موحّد، ورويٍّ مختلف، يقول:
أخوكَ من دام على الإخاءِ
ما أكثرَ الإخوانَ في الرَّخاءِ
ودٌّ صحيحٌ من أخٍ لبيبِ
أفضلُ من قرابةِ القريبِ
يزيدُ من مودَّةِ الرجالِ
تزاوُرُ الإخوانِ في الرِّحالِ
من يخذلِ الإخوان في بلواهُمُ
لم يحفلوا إنْ عُدَّ من موتاهُمُ
ولا تكوننْ في الإخاءِ مُكثرا
ثمَّ تكونُ بعدُ فيهِ مُدبِرا
فتُظهرُ الإسرافَ في الإكثارِ
منكَ على الجفاء في الإدبارِ
ولعلَّ ما يُبرزُ أهميةَ الأخوّة والإكثار من الإخوة على بيّنة، ما كتبه الشاعر مهدي بن سابق، يقول :
تكّثَّرْ من الإخوان ما اسطعْتَ إنَّهمْ
عمادٌ إذا استنجدْتهم وظُهورُ
وليس كثيراً ألفُ خلٍّ وصاحبٍ وإنَّ عدوَّاً واحداً لَكثيرُ
ويدعو الطغرائي إلى المداراة والمجاملة للأخ إذا صدر عنه ما يثير الرّيب، ولكن إن استمرَّ بعد ذلك فلا مناص من قطعها معه، يقول:
جاملْ أخاك إذا استربْت بودِّهِ
وانظرْ بهِ عقبَ الزمانِ العائدِ
فإنْ استمرَّ بهِ الفسادُ فخلِّهِ
فالعضوُ يُقطعُ للفسادِ الزائدِ
ولشاعرٍ من بني أسد بيتٌ يكشف عن سعة عقل و جميل حِلمٍ ورفعةِ خُلُق، وسماح، يقول:
إنْ لانَ لنتُ ، وإن دبَّتْ عقاربُهُ
ملأتُ كفَّيهِ من صفحٍ ومن كرمِ
ويشدّدُ فيلسوف المعرّة على التعاضد بين الإخوة وشدِّ أزر بعضهم في الاستباق إلى الخير، يقول:
أنجِدْ أخاك على خيرٍ يهمُّ بهِ
فالمؤمنون لدى الخيرات أنجادُ
ويقول في موضعٍ آخر مشدّداً على عدم التفريط بهذا الرابط العظيم:
ظعنْتَ لتستفيدَ أخاً وفيَّاً
وضيّعتَ القديم المُستفادا
وينصح أبو الأسود الدؤلي نصيحةَ حكيم مجرّب كبير التجربة، يقول:
لا تؤاخِ الدهرَ جبساً راضعاً
ظاهرَ الجهلِ قليلَ المنفعة
يسألُ الناسَ ولا يعطيهُمُ
هبلَتْهُ أمُّهُ ما أجشعَهْ !
وأحبّ أن أختم بهذا البيت للشاعر ( البصير ) بشار بنُ بُرد ، يقول :
خيرُ إخوانِكَ المُشاركُ في المُرِّ
أين المشاركُ في المُرِّ أينا ؟!.