دائماً ما نسمع عن مفارقات يتنافس فيها البعض في تصوير أغرب الأمور التي استطاع أجدادهم تحقيقها، لدرجة أنها شغلت مساحة كبيرة على صعيد النُكَت المُتداولة، من مثل حين قال الأول للثاني مُتباهياً: جدِّي هو من لَوَّن مياه البحار بالأزرق، وبينما كانت جدتي تُملِّح طبختها، رشَّت القليل منه في مياه المحيطات فصارت مالحة حتى الآن، فردَّ عليه الثاني متفاخراً: أما أنا فجدِّي هو من صَبَّ الكُرة الأرضية. وبين التلوين والتمليح والصَّبّْ تمتلئ يومياتنا بكل ما هبَّ ودبّ من الغرائب والعجائب، فمن كان يتخيَّل مثلاً أن يأكل في القرن الحادي والعشرين «بوظة على الصَّاج»، أو أن يلتهم صحنين ثلاثة من رز ملوَّن بعد أن يتمّ «تدخينه» بالفحم تحت مسمى «المندي»، وقبلها كيف استطاعت تلك المخيلة الهائلة أن تستفيد من (القريشة)، ثم صناعة كُرات منها لتجف وتتعفن فينتج عنها «الشنكليش» الشَّهي، وكذلك ما الدافع الذي جعل امرأة سورية عظيمة تسلق الباذنجان وتعصره حتى يخلو من الماء نهائياً، ثم تحشوه بدبس الفليفلة والثوم والجوز، وتغمره بالزيت، فنستلذ بـ(المكدوس) الروحاني، وهناك أيضاً الجزر الأصفر الذي يُصنع منه المحشي في حمص مثلاً، أو الفجل المتطاول سهل التقطيع،… كل هذا ولم نتحدث عن الإنجاز الأهم الذي يجرح ويداوي، وأقصد «البطاقة الذكية»، فرغم أنها تُسبِّب الجلطات أثناء انتظار الفرج لدور الغاز مثلاً، وتعتبر أحد مسببات انتشار كورونا نتيجة التجمعات على الأفران، فإنها في الوقت ذاته ضبطت الكثير من التهريب الجائر للطحين والبنزين والمازوت والسكر والرز… وعلَّمت المواطنين أن يأخذوا كفايتهم من الطعام، وكأن القائمين عليها مسؤولون عن الأنظمة الغذائية للبشر، ولعل التحالف الأهم لتلك البطاقة جاء مع «اللجنة الاقتصادية» التي لا تصدر قراراتها إلا ليلاً، والمشكلة الأهم أن كلام الليل لا يمحوه النهار، بل يمتد إلى أرواحنا وجيوبنا ومصائرنا التراجيدية، وإمعاناً في الغرائبية، قال الأول للثاني متباهياً: لم أرَ في حياتي بعد ثور جارنا «أبو خلف» في «الشد والنطاح»، فردّ الثاني: أنا على يقين أنه لم يصل لمستوى القرارات الاقتصادية مع كيس أو من دونه.