أين ضاعت؟
مهما كان الموضوع – بتنوعاته: قضية، مسألة، إشكالية – غير مهم في نظرنا، إلا أننا كنا نجده في وجوه المتحاورين أو المجادلين أكثر أهمية، بل أحياناً بالغ الخطورة، نجدهم ينفعلون، حينما يتحاورون كأن مهمة الإقناع بالنسبة لهم تعادل استعادة مدينة القدس، أو شيئاً بهذه الأهمية! وربما أكثر فيبدؤون بحصار محاورهم، وقطع كل طرق الإمداد عنه، ثم يبدؤون بسيل متلاحق من الدلائل القاطعة، أو الشتائم المقذعة، حتى يسلم أو يستسلم، قانعاً أو صاغراً، كان هذا وكنا نجده في أعين ووجوه حتى أنصار فريقين لكرة القدم يحتكران أنصار اللعبة في المدينة الواحدة! كان هذا، ولكنه لم يعد موجوداً! فجأة فقدت الأشياء قيمتها.
في الأدب تعلمنا أن لا شيء يحدث فجأة، وما سمي انفجاراً درامياً ليس إلا مواقف تم تراكمها وكبتها مراراً وتكراراً، حتى حدث الانفجار، تماماً كالشيب الذي لا يشعل الرأس فجأة، إلا أننا لا نملك وقتاً لتعداد ارتفاع نسبة الشيب، وانحفاض الميلانين في الجسم، بل نكتفي بالصباغة، لأننا فقط اعتدنا تزييف الحقيقة ثم الثرثرة حول مسألة تافهة حول اللون الأنسب للصباغة! وكأن الصبغة موضة وليست تزييفاً لحقيقة ما، هي العمر مثلاً.
ولكن الأمر لا يقف هنا، بل حتى في أشد المواضيع خطورة كإعلان “دولة” الإرهاب “داعش” وكأنها ليست “دولة” قطع الرؤوس وأكل الأكباد!، حدثت الثرثرة وانتشرت الطرائف والنكت، تماماً كما في الوباء المنتشر.
أين أضعنا قيمة الأشياء؟، هل السؤال المهم “أين؟” أم “متى؟” أعتقد أن “أين” أكثر أهمية حتى نعود إلى الجدية المطلوبة، أما سؤال “متى” فأهميته تأتي ثانياً للانتباه التالي فقط!.
أم الأشياء لم تعد ذات قيمة؟ هل لأن بعض الأسرار أو المفاتيح تم كشفها، أو صارت مكشوفة، ففقدت قيمتها؟ أو لأننا كنا صغاراً وكنا نجد الأمور ضخمة ثم كبرنا وبدأت الأشياء تتضاءل! وربما هي لم تكن كبيرة!.
أو لأننا وجدنا الأشياء في غير مكانها، كأن نجد مخرجاً مسرحياً يقدم حفلة العرس!
-بدعوى لقمة العيش- يمكن أن يكون هناك أو هنا أسباب أو تفسيرات متنوعة، نختلف ونتفق معها لكن النتيجة في النهاية أن الأشياء فقدت قيمتها.