العقوبات تقتل السوريين مجدداً.. قراءات في المشهد الغربي للزلزال

تشرين- بارعة جمعة:

حتى في الكوارث تُقسم البلدان حسب أهواء السياسة، منها المُغيّب وبعضها المُسيّس، يعود الغرب مجدداً للكيل بمكيالين، من دون إضاعة فرصة انتهاك حُرمة الإنسانية، التي تأصلت في رواياته على مدار اثني عشر عاماً، والغائبة عن التنفيذ في ميدان سورية المنكوبة.

الغرب لا يستطيع تجاوز أهدافه السياسية، وتعمقت رؤيته في وسط الزُحام الغربي للتقليل من عمق المأساة السورية، آخذاً بالجزء الأكبر منها لمبادرات خجولة، تحفظ ماء الوجه، عبر تناولها بطرق ووسائل تغييب حجم الكارثة، على حساب المنكوبين في دولة أخرى.

الصحف الفرنسية تتماهى مع سياسة الغرب الطامحة لتغييب الاهتمام بالحالة الانسانية السورية

يُترجم الغرب خُططه بأسلوب التماهي عن الحقيقة، كما تناولتها بعض الصحف الفرنسية، محاولةً دسّ السّم في العسل، بتناول مفهوم الكارثة وفق سياسة التفضيل لمناطق ضربها الزلزال عن أخرى، وتحقيقاً لأهداف سياسية في سياق المواجهة الشاملة مع سورية.

ازدواجية المعايير

يحاول الغرب تغطية سياساته الازدواجية، أمام التعامل مع حالة إنسانية بحتة، استوجبت تحركاً دولياً، تجاوز كل ما هو سياسي وجيوسياسي، لتظهر صحيفة «لوموند» الفرنسية مُستغلة ما جرى لإعادة تعويم ملف العقوبات الدولية وأثرها في المساعدات، وما أكدته هذه الخطوة هو أن في الحالة السورية ممنوع التجاوز، وعلى البلاد أن تبقى خاضعة للحصار، الذي ترجمته الصحيفة بقولها حرفياً: «إذا أظهرت العديد من الدول تضامنها مع أنقرة، فلا يمكن لدمشق الاعتماد على التعبئة نفسها بعد اثني عشر عاماً من الحرب مع قادة يخضعون لعقوبات دولية»، هنا يُظهر جليّاً الحقد السياسي، الموجِّه الأساس للسياسات الغربية تجاه سورية.

لغة التضليل لاتزال ضمن سياسة الاعلام الغربي تترجمها عناوين لرفع الشبهة عن اي اتهام سياسي من الممكن أن يوجه ضد الغرب

وتعود «لوموند» لتؤكد فاعلية العقوبات، حيث رغم العداء استطاعت اليونان التحرك تجاه تركيا، لكنها لا تستطيع التحرك تجاه سورية، ما يشير إلى أنه في الحالة السورية تتلاشى موجبات الوضع الإنساني، والحماية التي زعم الغرب امتلاكها خلال العشرية الأخيرة من عمر الحرب على سورية.

كما برزت لغة التضليل الغربي عبر عناوين قدمتها صحيفة «ليبراسيون» تحدثت عن توجيه المساعدات الدولية لبلدين منكوبين، من دون الدخول في التفاصيل، بهدف رفع الحرج عن ازدواجية الغرب في التعامل مع الحالة السورية، ولرفع الشبهة عن أي اتهام سياسي من الممكن أن يُوجه ضد الغرب.

وتعود للواجهة مجدداً قضية عدم قدرة الغرب على تجاوز أهدافه السياسية، حيث دخلت أيضاً «ليبراسيون» في لعبة تفضيل مناطق في سورية على مناطق أخرى، لأسباب تتعلق بالمساعدات الإنسانية وطرق وصولها إلى سورية.

ما تناولته «ليبراسيون» يتماشى مع صحيفة «لوفيغارو» وبشكل متطابق، حيث رأت أنه: «بالنسبة لسورية، لم يتردد صدى دعوتها للمساعدة إلّا من خلال داعمها الروسي»، وأضافت: في سورية اهتزت الأرض بشكل خاص في شمال البلاد؟

تراخٍ مقصود

وبالعودة إلى وقائع الزلزال سنجد أن ما تم العمل به بات مكشوفاً، والذي أكده السيد الرئيس بشار الأسد في زيارته إلى مدينة حلب، وتأكيده أن الغرب لا يعرف الإنسانية، وأن لغة السياسة طغت على مشهد الكارثة لديه، وهنا يطالعنا مشهد المساعدات المتأخرة، الذي لم يتجاوز عبارة «ذر الرماد في العيون»، حسب توصيف الصحفي والكاتب في الشأن السياسي إبراهيم شير للموقف الغربي، مقارنة بحجم الأموال والمليارات التي ارتُهنت من الغرب لمساعدة تركيا، لقاء القليل منها لسورية، لم ترقَ إلى حجم الكارثة، بل كانت بغرض الدعاية لا أكثر.

من كان السبب في كارثة الحرب لن تؤثر فيه كارثة الزلزال، والدول الكبيرة مثل بريطانيا وألمانيا وفرنسا في الاتحاد الأوروبي لن ترسل المساعدات، كيف، وهي المسبب الأول لمأساة السوريين! حيث لا يمكن فصل الزلزال عن «قانون قيصر»، الذي حطم البنية التحتية للبلاد، واحتل الموارد الأساسية لها من النفط والقمح أيضاً، بإشراف الاتحاد الأوروبي نفسه.

مكاسب مشروطة

يقول المثل السياسي: «الشيطان يكمن بالتفاصيل»، ولعل ما قدمته دول الاتحاد الأوروبي من تسهيلات لقبول هجرة المتضررين من الزلزال إليها، ليس مبعث نيات صادقة، فالإعلان شيء والتفاصيل شيء آخر وفق قراءة شير لها، فأميركا تفتح باب الهجرة بشروط تعجيزية، وأوروبا تعتبر الزلزال ضرب مدينة إدلب وحدها، من دون النظر للمدن الأخرى، بينما الدولة السورية تقول: كل سورية متضررة.

والمُحدّق ضمن هذه التفاصيل سيدرك خطورة الموضوعات المطروحة، لكون أوروبا لن تتحرك تجاه سورية من دون تحقيق شروطها، التي تتعلق بمعلومات أمنية والتنسيق الأمني، إضافة لمستقبل المعارضة وعودة اللاجئين.

العودة العربية كانت مبررة و«مباركة» من الولايات المتحدة بشكل مباشر، فيما للدول الأوروبية سياستها التي تكاد لا تحيد عنها رغم وطأة الظرف الإنساني الصعب، لكن يبقى السؤال: هل ستكون دول الاتحاد الأوروبي قادرة على مساعدة نفسها في حال حدوث أزمة مماثلة؟!

 

اقرأ  أيضاً:

لا أميركا سمحت.. ولا أوروبا تجرأت؟!

 

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار