الكيميائي الذي غيّر اتجاه الحرب النفسية.. مغالطة الولاء للخارج

إدريس هاني:

– مازالت المقاومة تملك رصيداً من شنّ حرب نفسية على الاحتلال، الحرب التي أتقنها الشهيد السيد حسن نصرالله منذ أن اعتبر الكيان أضعف من بيت العنكبوت. الصفة التي ذاع صيتها ولم تجد من يكذبها منذ ذلك الحين حتى وجد البعض فيما آلت إليه الأمور فرصة لتكذيبها، فأمّا من بات يسخر من هذا الوصف، فحتماً يجهل تنوع السياقات التي تحتضن القول وما ينطوي عليه من دلالات، لكن اليوم تأكد أكثر من أي وقت مضى، أنّ هذا الوصف دقيق، فالعناكب لحظة هيجانها قد تأكل فلذات أكبادها، وهي معروفة بأكل زوجها وحتى أبنائها إذا لم يهربوا بعد تفقيسهم، هذا وبيتها في نهاية المطاف لا يقوى على الاستمرارية بعد أي عملية مواجهة، وأمام الرياح العاتية، وأمام أي عابر سبيل.
واليوم ما زالت الحرب النفسية مستمرة،  مذ تمّ قلب الطاولة على الخطاب الذي يهدف ضرب المعنويات التي ازدادت أكثر مما كانت عليه. فانتخاب الشيخ نعيم قاسم على رأس الحزب، هو قبل كلّ شيء قلب الطاولة على مسلسل الترهيب الذي قامت به الدعاية ضدّ المقاومة، وتحديداً ترهيب أي مرشح قادم على رأس مسؤولية الحزب، وكانت الدعاية قد تمادت في الحرب النفسية، محاولة التشنيع والتهوين والترهيب للشيخ قاسم، لكنه تصدّى، وهو الرجل الذي يتقن التعبئة، كموجّه تربوي وتنظيمي وعالم فضلاً عن تكوينه الكيميائي، هذه الخبرة الأخيرة تمنحه وعياً بالتغيرات السريعة التي تجري في الطبيعة، التعامل مع هذه الحقبة شديدة التفاعل والانفعال بحس الكيميائي، بل بحس الخيميائي الذي يملك وحده سرّ تحويل الضربات الموجعة إلى انتصارات، كما يحول الخيميائي التراب إلى ذهب، الكيميائي وحده يدرك أنّ المائز بين العناصر هو ترتيب الذرات ولو من العناصر نفسها، للكيميائي علاقة بكل شيء، حتى بالحرب والاستراتيجية، الاستهانة بالكيميائي هو استهانة بما به تقوم الحياة وتتفاعل عناصر الطبيعة، لا شيء مستحيلاً في الكيمياء.
كان ماركس يقول وهو بصدد نقد الوظيفة الكلاسيكية للفلسفة، بأنّ الفلسفة سعت قديماً لفهم العالم وقد آن الأوان لتغييره. لكن هذه في الحقيقة هي وظيفة الكيميائي، فهو يسعى لتحويل الطبيعة والعالم، الكيميائي وحده يستطيع أن يجعل الهزيمة تتحلّل، وتتبخّر، حين يصبّ عليها شيئاً من “كلور” المقاومة، هذا وكثير من تفاصيله، يؤكد أنّ على رأس المقاومة اليوم كيميائي النّصر، وهو يملك كلّ مقوّمات خلق المستحيل كيميائياً، بل لعلّه خطّأ تقديرات الدعاية، فهو قيادي واكب وساهم في محطات كثيرة هي مُعلنة في سيرة رجل ساهمت الأقدار في انتخابه انتخاباً طبيعياً قبل أن تبثّ في ذلك شورى الحزب…
– حين تجد حركة تحررية مسنودة من شعبها، يتعين أن ينتهي الكلام، وحين تجد مجموعة لا تساوم على سيادة بلدها وتقدم كل هذه التضحية بسخاء أسطوري من أجل أوطانها، وجب أن تكون مثالاً لما يجب أن تكون عليه حركات التحرر الوطني، الحديث الذي  تحمله الدعاية على أنّ قوماً هم من نبات تلك الأرض التي تدور فيها المعارك الكبرى، هم مجرد متاجرين بقضية تهمّهم وأهاليهم بالدرجة الأولى، نكون أمام مفارقة تقول بأنّ الاحتلال، وحلفاءه، والخونة الذين ينطلقون من غريزة الثّأر والخيانة، هم أكثر وفاء لقضية وطنهم من أولئك الذين قدموا أرواحهم ومصالحهم قرابين فداء لكرامة أمة وقضية وطن، دعوا المقاومة تنجز مهمتها التّاريخية، ماذا يضرُّكم أنتم؟
– لا يزال الفريق المناهض للمقاومة يلعب على مغالطة الولاء، مع أنّ سكناهم الدائمة هي داخل السفارات الأجنبية، ولأنّ لبنان الذي يحنّون إليه، هو لبنان “يا عيني ع الباسطه” وليس لبنان “الغضب الساطع آت”، تعلّم من أولئك ولاءهم لأوطانهم، تعلم كيف يكون الوفاء بالروح، بالدّم ، وليس بالمزايدات الفارغة. لولا حكاية صمود لم يصدأ، لكان لبنان حديقة خلفية للاحتلال، ثم من قال لكم بأنّ الاحتلال طوى ملف المقاومة؟ هو صدّق نفسه قبل الأوان، وصدقه حلفاؤه ما قبل قبل الأوان، ولله في خلقه شؤون.

كاتب من المغرب العربي

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار