يفتح آفاقاً جديدة لحفظ المعلومات… ابتكار طريقة لتخزين البيانات في الحمض النووي
تشرين:
تعتبر البيانات واحدة من أهم الأصول في العصر الحديث، ومع تزايد كمية البيانات التي تنتج يومياً، أصبح من الضروري تطوير طرق جديدة وفعالة لتخزينها.
وفي هذا السياق، فقد طوّر فريق من الباحثين طريقة مبتكرة لتخزين البيانات الرقمية في الحمض النووي باستخدام عملية طبيعية تُعرف بـ“المثيلة” Methylation دون الحاجة إلى تصنيع سلاسل مخصصة من الحمض النووي من البداية.
ووفقاً لدراسة نُشرت في مجلة Nature، فقد تمكن الباحثون من الاستفادة من “المثيلة” لطباعة المعلومات مباشرة على الحمض النووي الموجود. وتُعد عملية المثيلة من التفاعلات الكيميائية التي تُضاف فيها مجموعة الميثيل إلى الحمض النووي، وتُستخدم عادةً لتنظيم نشاط الجينات.
وفي العادة، يتطلب تخزين البيانات في الحمض النووي تحويل البيانات الرقمية إلى تسلسل من قواعد A و C و T و G النووية، ثم تُصنّع هذه السلاسل كيميائياً في المختبر عبر عملية تُعرف باسم “التخليق الجديد” (de novo synthesis).
وتمكّن فريق من الباحثين من جامعة بكين الصينية وعدة مؤسسات أخرى من التغلب على هذه التحديات من خلال استخدام المثيلة لإعادة كتابة الحمض النووي الموجود بنحو طبيعي، وتُعد المثيلة تعديلاً فوق جيني يُستخدم عادةً لتشغيل الجينات أو إيقافها دون تعديل الشفرة الوراثية ذاتها.
واعتمد الباحثون على 700 قطعة من الحمض النووي كمكونات بناء فريدة في نظام تخزينهم الجديد. ومن خلال تجميع هذه القطع بنحو انتقائي على قالب رئيسي من الحمض النووي، تمكنوا من ترميز البيانات الرقمية. ثم تضيف إنزيمات معينة مجموعات الميثيل في مواقع محددة، لتحديد الحمض النووي بتسلسل مرغوب من 1 و0 .
وخلال تجاربهم، تمكّن الفريق من تخزين صور عالية الدقة واستعادتها لحيوان الباندا ورسم صيني قديم بدقة تصل إلى 97.47%، كما حققوا سرعة كتابة بيانات بلغت نحو 350 بِت لكل تفاعل، متجاوزين بذلك سرعة كتابة البيانات في آلية “التخليق الجديد”.
وأكد فريق البحث أن هذه الطريقة تعد أقل تكلفة ، نظراً إلى أنها تعتمد على قوالب حمض نووي موجودة دون الحاجة إلى تصنيع قوالب جديدة.
وأفاد الباحثون بأن نظام epi-bit الذي ابتكروه يقدم إطاراً ذا إمكانات مستقبلية لتخزين المعلومات الجزيئية باستخدام وحدات جاهزة، وخاصة أنه يمكن تخزين كميات هائلة من البيانات “الضخمة” في ميكروغرام واحد من الحمض النووي، ويقدر أن سعة تخزين الحمض النووي تصل إلى 215 بيتابايت لكل غرام.
وقال الباحثون: ومع أن التخزين الإلكتروني التقليدي يبقى أسرع وأقل تكلفة، لكن هذا الأسلوب الجديد يقدّم تطوراً كبيراً في الاستفادة من الحمض النووي كمخزن طبيعي للبيانات، وأضافوا: إن الحمض النووي مستقر للغاية ويستطيع البقاء على قيد الحياة لآلاف السنين إذا تم تخزينه بشكل صحيح، ما يجعله خياراً مثالياً لحفظ البيانات على المدى الطويل، كما أنه أقل عرضة للتلف الفيزيائي أو الفقدان.
هذا، ويرى خبراء أن ابتكار تخزين البيانات في الحمض النووي يظهر كأحد الحلول الواعدة التي تجمع بين البيولوجيا والتكنولوجيا، كما أنه يمثل خطوة هامة نحو مستقبل تكنولوجي أكثر استدامة وفعالية، ورغم التحديات، فإن الإمكانيات التي يقدمها هذا الابتكار تجعل منه أحد الموضوعات المثيرة للبحث والتطوير.