“الكيان” واحتواء حالة الصدمة والخيبة بمواجهة صواريخ المقاومة.. انكشاف يستنفر واشنطن ويُسرِّع من مسار «ثاد» ويكشف حجم الضعف الوجودي لـ «إسرائيل»
تشرين- مها سلطان
«انتهت الحفلة.. أخطأنا التقدير.. لم نفهم كيف يعمل الحزب» هذا هو الوضع الذي فرضته «المُسيّرة الكارثة» التي أنهت، الأحد الماضي، بضربة قاضية حفلة الأوهام التي بدأها الكيان الإسرائيلي ما بعد جريمة اغتياله السيد حسن نصر الله، معتقداً أن الميدان سقط بين يديه وما هي إلّا أيام ويصل إلى بيروت وما بعد بيروت (باتجاهات أربعة معروفة) في إطار المخطط واسع الجغرافيا الذي يُبيِّته، علماً أنه ليس مبيتاً بشكل كامل، حيث تعمّد “الكيان” مرات عدة تمرير عدة تصريحات بخصوصه.
الوضع ما بعد انتهاء الحفلة، تم رسمه بصورته النهائية في مشهد واحد نشرته «القناة 14» الإسرائيلية مساء أمس وهي تعرض جنوداً إسرائيليين (مما يسمى قوات النخبة) اختبؤوا في قناة للصرف الصحي أثناء تفعيل صفارات الإنذار وسط البلاد، بسبب عدم وجود ملاجئ أو مساحات محمية داخل قاعدته العسكرية التي تصنف كبيرة ومركزية، وجاء ذلك عقب إطلاق وابل جديد من صواريخ المقاومة على شمال ووسط الكيان.
«مُسيّرة الأحد» ما زالت تلقي بظلال قاتمة جداً على الكيان وتجعله في حالة توتر وارتباك بسبب وضعية «الانكشاف التام» التي بات عليها بمواجهة حزب الله
كان هذا المشهد هو الأقسى- وبفارق يوم واحد فقط عن المسيّرة الكارثة- الذي أظهر بوضوح شديد ما هو عليه الكيان فعلياً من ضعف، وإنه مكشوف بالكامل أمام المقاومة اللبنانية/حزب الله التي أظهرت تفوقاً كان حديث الكيان على كل مستوياته السياسية والعسكرية والإعلامية (وكان حديث الداعم الأميركي أيضاً الذي أعلن قبل أيام أنه سيزود الكيان بمنظومة /ثاد/ الدفاعية، وحسب التقارير من المفترض أن تصل إليه اليوم مع 100 جندي أميركي سيقومون بمهمة التشغيل)، وفيما كان متزعمو جيش الكيان يعلنون على الدوام أنهم لن يتركوا لحزب الله فرصة لأخذ النفس والاستراحة، ها هو حزب الله يقلب المشهد فلا يترك لهم مجالاً لأخذ النفس، باستثناء إطلاق تصريحات تعبر عن الصدمة والخيبة أكثر مما تعبر عن قوة التهديد وقدرة التنفيذ.
مكشوفون وعاجزون
«القناة 14» الإسرائيلية ركزت على حالة الاستياء والغضب بين قادة القاعدة العسكرية «بنيامينا» التي ضربتها مسيّرة حزب الله يوم الأحد الماضي لتأخذ فيما بعد مسمى المسيّرة الكارثة. القناة الإسرائيلية نقلت عنهم قولهم: «نحن مكشوفون تماماً وعاجزون، هل ينتظر رئيس الأركان كارثة أخرى؟».. ولم يكن من جواب إلا رجع صدى، وأصوات صفارات الإنذار التي لا تتوقف.
وكالعادة، لا يمكن للكيان إلّا استحضار إيران للتخفيف من حجم ما يتعرض له من ضربات، وبزعم أن قوة المقاومة اللبنانية تأتي بشكل كامل من الدعم الإيراني، وللقضاء عليها لا بدّ من ضرب إيران، وفق المقدم /احتياط/ يارون بوسكيلا الرئيس التنفيذي لما يسمى منتدى
الدفاع والأمن الإسرائيلي في مقابلة نشرتها اليوم صحيفة «معاريف» الإسرائيلية.
واعتبر بوسكيلا أنّ «أولئك الذين احتفلوا بعد الهجوم على نصر الله لم يفهموا في الواقع كيف يعمل الحزب.. هذا لا يعني أن الضربة التي وجهناها إليه لم تكن خطيرة. لقد ألحقنا بالتأكيد أضراراً كبيرة بقدراته» لكنه ما زال يتمتع بنقاط قوة كبيرة جداً بناها على مرِّ السنين «من قبل الراعي الرئيس وهو إيران». مشدداً على ضرورة استيعاب مدى قوة حزب الله، والعمل على القضاء عليها «وبعدها نحتفل».
واستدرك بوسكيلا قائلاً: قد يبقى الحزب كفكرة، لكن هذه الفكرة لن يكون لها أي قدرات.
منظومة «ثاد»
هذا الوضع يربطه فريق واسع من المحللين بتأخر «الرد الإسرائيلي» على «الرد الإيراني» حيث يبدو الكيان في حالة توتر وارتباك (فقدان توازن) وهو يجد نفسه مكشوفاً تحت ضربات حزب الله، فيما يربطه فريق آخر بمنظومة ثاد الأميركية التي ينتظرها الكيان والتي من المقرر أن تصل بين يوم وآخر، وهم يربطون قوة «الرد» الإسرائيلي بهذه المنظومة، باعتبار أن هذه القوة ستستدعي رداً مماثلاً وربما أقوى، وعليه فإن الكيان يحتاج هذه المنظومة في سبيل احتواء الرد الإيراني، وإذا كانت «القبة الحديدية» عجزت أمام صواريخ حزب الله فهي بالتأكيد ستكون عاجزة كلياً أمام الصواريخ الإيرانية، وهذا ما تأكد منه الكيان خلال الرد الإيراني الماضي، وهو بدوره ما سرّع – ربما – القرار الأميركي بتزويد الكيان بمنظومة ثاد.
متزعمو جيش الكيان كانوا يعلنون على الدوام أنهم لن يتركوا للمقاومة فرصة لأخذ النفس وها هي المقاومة تقلب المشهد فلا تترك لهم مجالاً لأخذ النفس
علماً أن هناك فريقاً ثالثاً من المحللين يربط هذه المنظومة بما هو أوسع إقليمياً، ويتحدثون عن حرب موسعة تكاد تكون حتمية في ظل تطورات الميدان، وحيث يبدو الكيان عاجزاً عن الحسم، وعن مواجهة القدرات الصاروخية والعمليات البرية التي يتمتع بها حزب الله.
الرئيس الأميركي جو بايدن، عندما أعلن عن تزويد الكيان بمنظومة ثاد قال إنّ الهدف هو «الدفاع عن إسرائيل» وربطها بالرد الإيراني المحتمل على الرد الإسرائيلي المرتقب، لكن المراقبين توقفوا، وما زالوا، عند مسألة نشر قوات أميركية تحت مسمى تشغيل المنظومة، معتبرين أنها تشير إلى مزيد من التورط الأميركي في «الحرب» القائمة، وتحضيراً للحرب الموسعة التي بدأت مؤشراتها وأسبابها تزداد قوة.
لن ينفع الكيان استحضار إيران للتخفيف من حجم ما يتعرض له من ضربات ولن ينفعه الربط بين المقاومة وإيران في سبيل استجرار أوسع دعم أميركي
ويرى المراقبون أنّ التصريحات الأميركية حول توافق مع الكيان على عدم استهداف منشآت الطاقة والنفط (والمنشآت النووية) الإيرانية تبدو متناقضة إلى حدٍّ كبير مع ذلك الربط بين منظومة ثاد والرد الإسرائيلي، فإذا كان الرد الإسرائيلي لا يتضمن أهدافاً إيرانية حساسة، بمعنى أنه سيكون رداً محدوداً… فلماذا يتم نشر منظومة ثاد ، ولماذا التخوف من حجم الرد الإيراني اللاحق.
علماً أن متزعمي الكيان الإسرائيلي لا يزالون على التصريحات الأميركية التي تقول بتوجيه ضربة كبيرة وشديدة جداً لإيران.
أياً يكن من شأن التصريحات المتعلقة بمنظومة ثاد هناك توافق شبة تام على أن إرسال هذه المنظومة يثبت أن الكيان ضعيف وبات بحاجة وجودية إلى مساعدة دفاعية أميركية قصوى.
ويُعد نظام /ثاد/ فعالاً للغاية ضد الصواريخ الباليستية، وفقاً للشركة «المصنعة لوكهيد مارتن» أكبر شركة لصناعة الأسلحة في الولايات المتحدة. يحتوي النظام على ست قاذفات مثبتة على شاحنات، مع ثمانية صواريخ اعتراضية على كل قاذفة. يكلف حوالي مليار دولار للبطارية ويتطلب طاقماً من حوالي 100 شخص لتشغيله. تطير هذه الصواريخ بسرعة تفوق سرعة الصوت ويمكنها إسقاط الصواريخ البالستية في الجو.
ومن نافل القول هنا، إنّ هذه المنظومة تسقط كل أكاذيب إدارة بايدن بأنها تسعى جهدها للتهدئة ووقف إطلاق النار، وأنها تضغط على الكيان الإسرائيلي لوقف التصعيد.
استهداف «يونيفل»
المسألة الأخرى، والتي هي في غاية الأهمية والخطورة، والتي برزت في الأيام الأخيرة الماضية هي استهداف الضربات الإسرائيلية قوات حفظ السلام الدولية «يونيفل» ما أدى إلى جرح عدد من أفرادها، وقاد إلى سلسلة ردود أفعال دولية التي أدانت هذه الضربات، خصوصاً الدول التي ينتمي إليها جنود اليونيفل.. ولكن كل ذلك لم يجدِ مع الكيان الإسرائيلي الذي وسع تهديداته مطالباً الأمم المتحدة بسحب قوات اليونيفل أو إبعادها عن مرمى الضربات الإسرائيلية.
هناك توافق شبه تام على أنَّ قرار إدارة بايدن تزويد الكيان بمنظومة «ثاد» يثبت ضعفه وأنه بات بحاجة وجودية إلى مساعدة دفاعية أميركية قصوى
ومع اكتفاء مجلس الأمن الدولي ببيان ضعيف مقتضب حول «القلق الشديد» وضرورة «احترام جميع الأطراف سلامة وأمن قوات اليونيفل ومقارها».. مع اكتفاء المجلس بذلك برزت إلى سطح الأحداث قضية أخرى حول قوات حفظ السلام الدولية ومهماتها وصلاحياتها ومكانتها الرادعة، وكذلك تساؤلات حول عدم تحرك المجتمع الدولي بصورة أقوى وأشد حزماً وحسماً بخصوص استهداف الكيان الإسرائيلي لقوات اليونيفل، باعتبار أن الاعتداء عليها يمثل اعتداءً على المجتمع الدولي نفسه، على الأمم المتحدة وميثاقها.
صحيح وكيل الأمين العام للأمم المتحدة لعمليات السلام، جان بيار لاكروا، جدد موقفه اليوم حيال رفض الطلب الإسرائيلي، مؤكداً أن جنود حفظ السلام «سيبقون في كل مواقعهم» في لبنان.. ولكن ماذا لو اعتدى الكيان مرة أخرى عليها، وماذا لو سقط لها ضحايا وليس جرحى؟