شبه معدوم في سورية.. «كتاب الشيخ» ممنوع قانوناً ورائج اجتماعياً. مختصة: نوع رخيص من الزواج هروباً من الزواج الشرعي الذي يضع ضوابط متعددة للزواج
تشرين- بشرى سمير:
في إحدى استراحات السفر لفتت نظرها تلك الفتاة الصغيرة ذات الـ12 ربيعاً، فتوجهت (أم أحمد) لوالدة الفتاة تريد خطبتها لابنها الشاب الذي مازال طالباً جامعياً، شريطة أن يكون الزواج عن طريق كتابة عقد القران عند الشيخ من أجل “الحرام والحلال”، وريثما تبلغ الفتاة أشدها وينهي الشاب دراسته الجامعية.
«كتاب الشيخ» رغم منعه قانوناً إلا أنه مازال موجود اجتماعياً، وبحكم العادات والعرف يقوم الشاب عند الخطبة بكتابة عقد الزواج عند شيخ خارج المحكمة، ويعد هذا الإجراء بداية فترة الخطوبة، حيث إنه يمكنه الذهاب لزيارتها عند أهلها، كما يمكنه الخروج معها خلال فترة الخطوبة، فإذا أعجبته الفتاة وكان هناك توافق من الطرفين أكملت معاملة الزواج وثبت العقد في المحكمة، وإن لم تعجبه فسخ عقد الشيخ، وذهب كل في طريقه.
ورغم أن ذلك السلوك كان سبباً لضياع حقوق الكثير من الأزواج عند فسخ عقد الشيخ، وكانت له أضرار كبيرة على المجتمع ما دفع مسؤولي الإفتاء إلى تحريمه، علماً بأن القانون يمنع ذلك أيضاً.
تقول (السيدة خولة) إنها اضطرت للزواج بعقد شيخ لخوفها من الارتباط بمن تحبه علناً بسبب فارق السن، إذ يكبرها 20 عاماً، وحرصاً على وضعه الاجتماعي والعائلي وحتى لا تعلم زوجته الأولى.
بينما تشير (حمدة) إلى أنها اضطرت للزواج بعقد شيخ لأنها اذا أعلنت زواجها فسوف تحرم من راتب زوجها المتوفى، والذي كانت تتقاضاه هي وابنتها الصغيرة فآثرت عدم إعلان زواجها من أجل الاستمرار في تقاضي الراتب.
وتتحدث (بسمة) التي وقعت في غرام أستاذها الجامعي، المتزوج ولديه أربعة أبناء، وعاشت معه قصة حب كبيرة، ثم أقنعها بالارتباط عرفياً فوافقت، ولكن فجأة تركها وسافر إلى الخارج، وحاولت الاتصال به لكي يعلن زواجهما رسمياً، إلا أنه رفض.
ويرى (محمد) طالب جامعي أن في مسالة الزواج العرفي اللوم كله يقع على الأسرة، لأنه لا توجد علاقة صحية قائمة على الثقة بين الآباء والأبناء، وتكون الفتاة مهملة داخل منزلها وتجد من يبالغ في الاهتمام بها خارج المنزل ولذلك ترتبط به بعد أن يغرّر بها.
تناقض بين غايتين
ويؤكد وائل حمامية أستاذ علم النفس، أن سرية الزواج العرفي إنما تعني التناقض بين غايتين هما الرغبة والرهبة، الرغبة في الاجتماع بأنثى والرهبة من إعلان ذلك.. وتلك الثنائية إنما تمثل جوهر الصراع النفسي الذي يوقع صاحبه فريسة للمرض، حيث إن كل ما هو سريّ يعني حالة من الخوف الداخلي والخوف الخارجي، وازدياد الخوف يؤدي بصاحبه إلى اضطراب نفسي دائم، والخوف هو أساس كل الأمراض النفسية، وعندما يقوم الإنسان بعمل ما، وهو خائف وقلق، فإنه يذهب إلى المرض النفسي بنفسه.
محام: سرية الزواج العرفي إنما تعني التناقض بين غايتين هما الرغبة والرهبة
يحرم من الحقوق
من جانبها سوسن سهلي ماجستير علم الاجتماع تبين أن “الزواج العرفي أو كتاب الشيخ ليس محرماً مادام هناك شهود على هذا الزواج، لكن المشكلة في أنه يحرم الفتاة من كل الحقوق، لأنه لا يسجل في سجلات رسمية، وقد يلجأ الشباب إلى هذا النوع الرخيص من الزواج هروباً من الزواج الشرعي الذي يضع ضوابط متعددة للزواج، فقد لا يكلف الزواج العرفي ذلك الشاب أكثر من خاتم خطبة رمزي. وقد انتشرت ظاهرة الزواج العرفي بين شباب الجامعات في محاولة للالتفاف على قوانين الدين، ولعب الفن الهابط دوراً في تعزيز فكرة الزواج بالسر، ولعل أغنية (تجي نتزوج بالسر) التي أصبحت «ترند» كان لها تأثير سلبي على العديد من الفتيات والشبان في مقتبل العمر، وأعتبر كثيرون أن كلمات الأغنية غير لائقة وتدعو لارتكاب أفعال ممنوعة كالزواج العرفي أو كتاب الشيخ.
خبيرة اجتماعية: الزواج العرفي أو كتاب الشيخ ليس محرماً مادام هناك شهود على هذا الزواج، لكن المشكلة في أنه يحرم الفتاة من كل الحقوق، لأنه لا يسجل في سجلات رسمية
ممنوع في سورية
ويقول المحامي مروان سرور: يجب التفريق بين نوعين من الزواج العرفي: الأول نوع يثير اللغط بين الناس ويوجد عليه إشكال قانوني وهو حين يتفق رجل وامرأة مع توافر شهود أو من دون شهود ويكتبان ورقة عرفية، ويحتفظ كل من الطرفين بنسخة من الورقة ويمارسان حياتهما كزوجين.. وهناك زواج عرفي أيضاً يتم عن طريق شيخ من القصر العدلي أو الموظف المختص وبشهود قانونيين ويستوفي كل الإجراءات القانونية، لكنه سري وغير معلن، وهو زواج سليم من الناحية القانونية.
وأكد سرور أن الزواج “غير الشرعي في سورية يكاد يكون معدوماً”، موضحاً أن “هناك فرقاً بين الزواج العرفي وغير الشرعي، فالأول يكون صحيحاً إلا أنه لم يثبت في المحكمة، في حين أن الثاني هو الذي لم تتوفر فيه شروط الزواج وأركانه”.
سرور: “هناك فرق بين الزواج العرفي وغير الشرعي، فالأول يكون صحيحاً إلا أنه لم يثبت في المحكمة، في حين أن الثاني هو الذي لم تتوفر فيه شروط الزواج وأركانه
ولفت سرور إلى رئاسة مجلس الوزراء أصدرت قراراً منعت بموجبه رجال الدين من إبرام عقود زواج خارج المحاكم الشرعية المخصصة لذلك.
وكان الهدف من القرار هو الحفاظ على ضمان حقوق المرأة، والتأكيد على بناء الأسرة بالشكل الأمثل، حيث يمنع قانون الأحوال الشخصية في سورية رجال الدين من إبرام عقود الزواج خارج أروقة المحكمة الشرعية، إلا أنها تجاوزت عن الموضوع في إطار ما يعرف بالمجتمع السوري بـ “كتاب الشيخ” الذي يتبعه تثبيت الزواج في المحكمة الشرعية في أغلب الأحيان.
رئاسة مجلس الوزراء أصدرت قراراً منعت بموجبه رجال الدين من إبرام عقود زواج خارج المحاكم الشرعية المخصصة لذلك
عقوبات
إلا أنه وفي سنوات الحرب الأخيرة واجهت السوريين، في المناطق المحاصرة خاصة والمناطق الخاضعة لسيطرة التنظيمات الإرهابية، صعوبات عدة في تثبيت الزواج قانونياً، ما جعلهم يكتفون بالعقود الشرعية التي يبرمها أحد رجال الدين، مكتفين بإشهار الزواج لجعله شرعياً، والتي نتجت عنها تبعات وخيمة من وجود أطفال مجهولي النسب.
وبيّن سرور أن القانون عاقب بالحبس من شهر إلى ستة أشهر وبالغرامة من 50 ألفاً إلى 100 ألف كل من يعقد زواج قاصر بكر خارج المحكمة المختصة من دون موافقة من له الولية على القاصر، أما إذا تم العقد بموافقة الولي ولكن خارج المحكمة فالعقوبة تقتصر على الغرامة ويُعاقب بالحبس من شهرين إلى سنة.