في دار الأوبرا الموسيقيات السوريات يستحضرن أعمالاً نسائية من القرن التاسع عشر
تشرين- إدريس مراد:
تعطي دار الأوبرا السورية هذه الفترة مساحة جيدة للمجموعات التي تعزف موسيقا الحجرة، هذا أمر جيد، لا لأن طبيعة هذه الموسيقا جميلة وصعبة فحسب، بل لأنها أيضاً فرصة للموسيقيين السوريين الأكاديميين لتقديم مهاراتهم ومستوى عزفهم، كون طبيعة موسيقا الحجرة تعطي لكل آلة مساحتها وحقها، ويظهر كل عازف فيها كأنه عازف منفرد.
برنامج نادر من العصر الرومانسي مضمونه أعمال كتبت من قبل النساء..
أمسية للذكرى
وفي هذا السياق قدمت مؤخراً مجموعة موسيقية سورية جميعهن من الإناث أمسية ستبقى في الذاكرة، وضمت المجموعة الأستاذة في المعهد العالي للموسيقا عازفة البيانو راما نصري، وزميلتها عازفة الفيولا راما البرشة، وطالبات من المعهد وهن: ماريا شاهين على التشيللو، وليالي الشوفي وسمية أبو الفضل على الكمان.. حيث اختارت الفرقة برنامجاً نادراً من العصر الرومانسي مضمونه أعمال كتبت من قبل النساء، تعزف لأول مرة في سورية.
لكل آلة دورها
استهل الحفل بعمل للمؤلفة الفنلندية السويدية “لورا نيتزل” واسمها الفني “إن لاغو” مكتوب للبيانو برفقة الفيولا والكمان.. الدور الرئيسي فيه للبيانو، ولكن للفيولا والكمان مساحتهما أيضاً تصل أحياناً إلى أهمية الآلة الأساسية، أي إن دورهما ليس ثانوياً البتة، ولا مصاحبة متواضعة، حيث تطلبت كل آلة منهما مهارات فيرتوزية ولعبتا جزءاً هاماً وكبيراً، وعبرتا عن الأحاسيس المميزة في العمل.
للفيولا والكمان مساحتهما أيضاً والتي تصل أحياناً إلى أهمية الآلة الأساسية..
ولورا نيتزل سويدية، فنلندية المولد، وكانت ناشطة في القضايا الاجتماعية، بما في ذلك دعم النساء والأطفال والعمال الفقراء، وهي ملحنة وعازفة بيانو وقائدة أوركسترا، كانت فخورة بتراثها الفنلندي طوال حياتها، على الرغم من أنها كانت تبلغ من العمر عاماً واحداً فقط عندما انتقلت بشكل دائم إلى ستوكهولم.
جمل موسيقية مبتكرة
كما أدت المجموعة عملاً لعازفة البيانو والمؤلفة الألمانية “لويز أدولفا لو بو” من أربع حركات مكتوب للبيانو والكمان والفيولا والتشيللو، عمل تصاعدي يبدأ بطيئاً وينتهي بحركة سريعة.
بدأت لويز أدولفا لو بو في كتابة الموسيقا عندما كان عمرها خمسة عشر عاماً، وظهرت لأول مرة كعازفة بيانو في حفل موسيقي مع أوركسترا بادن كورت عندما كان عمرها 18 عاماً، ودرست العزف على البيانو لفترة وجيزة مع كلارا شومان، على الرغم من أن معلمها الأساسي كان جوزيف راينبرجر، كانت بارعة في عزفها ومؤلفاتها، كما ظهرت كناقدة موسيقية، تميزت موسيقاها في استخدامها الصارم للشكل، وجمل موسيقية مبتكرة إضافة إلى تناغمات ملونة، لاسيما في حركاتها الراقصة.
تميز العمل الذي تم تقديمه من قبل المجموعة بقدرته التعبيرية، وامتلائه بأحاسيس وانفعالات وعواطف..
تميز العمل الذي تم أداؤه من قبل المجموعة بقدرته التعبيرية، وامتلائه بأحاسيس وانفعالات وعواطف، وتفسر هذه الأشياء تفسيراً جديداً غير التي نجدها في أعمال التي سبقت الفترة الرومانسية، حيث لا تردد الحالات واقعياً بل فيها إسقاطات واضحة حول ما كانت تعانيه المرأة في مجتمع سادت فيه سيطرة الذكور.
والعمل الأخير في هذه الأمسية جاء من نصيب المؤلفة الموسيقية “ألفريدا أندريه” وهو عمل خماسي أدته بنجاح كل المشاركات في الحفل، البيانو بمصاحبة آلتي الكمان والفيولا والتشيلو.
تميزت المؤلفات النسوية في استخدامها الصارم للشكل، والجمل الموسيقية المبتكرة إضافة إلى التناغمات الملونة..
العنصر التعبيري
هذا العمل يتعمق في أغوار النفس البشرية والانطواء على الذات وأخذ الحياة مأخذ الجد، فيه حالة ذهنية تتخذ صبغة اتجاه متزايد إلى التعبير الباطن، ودقة التوافق الصوتي “الهارموني” ورفاهيته، وازدياد تعمق المجاميع الصوتية وتعقدها، يعبر عن مزاج المؤلفة الخاص وأسلوبها الشخصي في التعبير بوسائطها الفنية الخاصة، وتؤكد فيه العنصر اللحني والعنصر الوصفي في الموسيقا والاهتمام بالقدرة التعبيرية والدرامية، وكشف إمكانيات إيقاعية وحركية جديدة للتعبير الموسيقي. . وإلفريدا أندريه كانت عازفة أرغن وملحنة وقائدة فرقة موسيقية سويدية. وكانت ناشطة في الحركة النسائية السويدية، وهي من أوائل عازفات الأرغن الإناث اللاتي تم تعيينهن رسمياً في الدول الاسكندنافية. بدأت العمل في ستوكهولم عام 1861 وأصبحت عازفة الأرغن في كاتدرائية جوتنبرج عام 1867. ولخدماتها، تم انتخابها لعضوية الأكاديمية الملكية السويدية للموسيقا.
عموماً قدمت الموسيقيات السوريات المشاركات في الأمسية هذه الأعمال بنجاح تام وانسجام واضح، وظهرت مهارتهن البارعة، وامتلاكهن لأدوات العزف المختلفة، ويحق لنا نحن السوريين أن نفتخر بهن.