ملف «تشرين».. عقدة التراخيص الإدارية دوامة الارتباك والإرباك المزمنة.. «البزنس الصغير» بانتظار مبادرات كسر التكلّس الإجرائي

دمشق – غيداء حسن:
تشكّل دفعاً للاقتصاد الوطني وتسهم بشكل أو بآخر في تحقيق التنمية الاقتصادية من خلال تشجيع الإنتاج وإيجاد مصادر دخل وتوفير فرص العمل، إضافة إلى تأمين بعض المواد الأساسية في السوق المحلية، لكن يصطدم الراغبون بالاستثمار في المشاريع الصغيرة ومتناهية الصغر بمعوقات عدة، تبدأ بالتمويل والترخيص ولا تنتهي عند التسويق، فنجد بعضهم يتخوف من الخوض في فكرة البدء بها بسبب تلك المعوقات فيحجم عنها، ما يؤدي إلى خسارة فرص مهمة كان يمكن التعويل عليها في الكثير من الأحيان.
ولمّا كان الترخيص الإداري في دائرة التشكيك أحياناً بأنه معرقل للقيام بالمشروعات الصغيرة كما المتوسطة والكبيرة أيضاً بسبب الروتين والوقت الذي يستلزمه، كان لابدّ من معرفة رأي أهل الاختصاص في هذا الشأن، هل هو معرقل بالفعل أم لا؟ وكيف يمكن أن  نخفف من الإجراءات التي ربما تعوق  الترخيص لتنفيذ تلك المشاريع؟

لا توجد تعقيدات
يوضح مدير الشؤون القانونية في وزارة الإدارة المحلية والبيئة عيد النبوتي أن المرسوم التشريعي رقم  2680 لعام 1977 نظّم تراخيص المشاريع الخطرة والمقلقة للراحة أو المضرة بالصحة، وصنّف الصناعات إلى ثلاث فئات حسب درجة الخطورة والإضرار بالصحة العامة. وحتماً تأتي المشاريع الصغيرة والمتناهية الصغر ضمن الصنف الثالث الذي هو أقل المشاريع خطورة، هذا الصنف سمح القانون أن يرخّص داخل المخطط التنظيمي، لأن درجة الخطورة تكون قليلة ولكن توضع له اشتراطات لتجنب هذه الخطورة.

الترخيص الإداري يعرقل الكثير من المشاريع الصغيرة ويؤدي إلى العزوف عنها؟

وأشار مدير الشؤون القانونية إلى الإجراءات القانونية المتبعة في منح الترخيص الإداري للمشاريع الصغيرة والمتناهية الصغر داخل المخططات التنظيمية، إذ إن هذه الإجراءات واضحة حسب نص المرسوم ولا توجد أي تعقيدات، حيث يتقدم طالب الترخيص بطلبه إلى الوحدة الإدارية المعنية ليقوم رئيس الوحدة الإدارية بالإعلان عن طلب الترخيص في لوحة الإعلانات لمدة 15 يوماً بعد التثبت من صلاحية الموقع للترخيص، ويصار بعد انتهاء هذه المدة إلى منح الترخيص الإداري بقرار يصدر من رئيس الوحدة الإدارية مباشرة، ولكن ما قد يؤخر منح الترخيص هو وجود اعتراضات خلال فترة الإعلان على الترخيص.
أما في حال كان موقع الترخيص المطلوب خارج المخطط التنظيمي، فهو في هذه الحالة بحاجة لفترة أطول لكون هناك لجان يعرض عليها طلب الترخيص، وهناك أكثر من جهة معنية به.
لماذا الترخيص الإداري؟
الجهة المانحة للترخيص الإداري هي الوحدة الإدارية -حسب النبوتي- ويجب تحقيق متطلبات المخطط التنظيمي، إذ لا يمكن أن يتم مثلاً ترخيص فرن في عقار سكني، فهذا يتعارض مع أنظمة الوحدة الإدارية، وبالتالي عندما تمنح الوحدة الإدارية ترخيصاً إدارياً يجب أن تراعي الصفة التنظيمية لموقع الترخيص، من هنا جاء الترخيص الإداري. إذاً هو معني بالموقع أكثر مما هو معني بالناحية الفنية للمهنة، وهل هذا الموقع يتناسب مع المهنة المطلوب الترخيص لها أم لا، لافتاً إلى أنه يوجد مهن فكرية ومهن علمية، وهي مشاريع صغيرة تمارس داخل الأبنية السكنية ومنحت تسهيلات للترخيص.

النبوتي: ما قد يؤخر منح الترخيص هو وجود اعتراضات خلال فترة الإعلان على الترخيص

وأضاف مدير الشؤون القانونية: خطة الوزارة لهذا العام في إطار تحديث وتطوير التشريعات الناظمة لعمل الوزارة والجهات التابعة تعديل المرسوم 2680 لعام 1977، وسيلحظ التعديل إجراءات مبسطة ومحددة المدد لمنح الترخيص الإداري… وهنا نسأل نحن “تشرين”..إذا كانت الأمور ميسّرة إلى هذا الحد فلماذا التعديل إذاً..؟
بالتأكيد ثمة موجبات قائمة كثغرات ومنغصات موجودة هي ما استدعى التعديل..ونرجو أن تكون الإجراءات المبسطة المنتظرة كفيلة بإتاحة مايلزم من مرونة في منح التراخيص الإدارية للمشروعات.

حماية حقوق الناس والدولة

يؤكد المحامي الأستاذ عبد الفتاح الدايه أنه لا بدّ من التنويه بدايةً إلى أنّ الترخيص الإداري إجراء مهم وضروري، ولا يمكن أن يكون في حد ذاته عائقاً أو مشكلة، وهو أمر لازم تتمكن المؤسسات من خلاله من حماية حقوق الناس عن طريق معرفة من يمارس الأنشطة التجارية ومراقبتها لتحقيق المطلوب منها، إضافةً لتحصيل حقوق الدولة.. ولكن المشكلة التي يمكن أن تظهر هي وجود بعض المعوقات أو بعض الطلبات أو مدة الانتظار أو ما شابه في عملية الحصول على التراخيص.

النبوتي: الخطة تعديل المرسوم 2680 لعام 1977، وسيلحظ التعديل إجراءات مبسطة ومحددة المدد لمنح الترخيص الإداري

وهنا– وفق الدايه- يمكننا الحديث عن مشكلة يجب أن يتم حلها تحت مظلة نصوص قانونية عصرية وبحركة تشريعية سريعة ونوعية، أما التراخيص في حد ذاتها فهي أمر مهم وضروري ولا يمكن الاستغناء عنه بأي حال من الأحوال.

اختصار الكثير من الشروط

وحسب الدايه، الممكن اليوم إجراء المراجعات والتعديلات المناسبة في عملية الحصول على التراخيص الإدارية بحسب كل مشروع، بحيث تتناسب وحجمه، وأن يتم اختصار الكثير من الشروط، كتلك المتعلقة بشروط مكان العمل ومواصفاته على سبيل المثال، ومساحته وشروط موقعه…إلخ !

الدايه: أمر لازم لمعرفة من يمارس الأنشطة التجارية ومراقبتها لتحقيق المطلوب منها إضافةً لتحصيل حقوق الدولة

ويجب أن تلحظ الإجراءات الإدارية أهمية التفريق بين ما يمكن أن يُطلب من المشاريع الصغيرة ومتناهية الصغر وبين ما يمكن أن يُطلب من غيرها أو ما هو أكبر منها، وبالتالي يمكن الاستغناء عن الكثير من الطلبات أثناء الحصول على الترخيص الإداري، ولاسيما المتعلقة بصور المخططات ورخص البناء وما شابه.

إدخال التكنولوجيا

كما يمكن إدخال التكنولوجيا لتسهيل أعمال الحصول على التراخيص الإدارية والتعرف عليها، وكل ذلك عبر الشبكة وعن بُعد بالكامل، وبتحديث معلومات مستمر. الهدف هو دعم المشاريع الصغيرة، وبالتالي يجب أن تكون النصوص القانونيّة والإجراءات الإدارية في غاية النوعية لتحقق هذا الهدف، لأن أصحاب هذه الأنواع من المشاريع في الأصل لا يملكون الكثير من المال ولا المزيد من الوقت للانتظار، وبالتالي يجب أن تتقلص مدة إنجاز الحصول على الترخيص الإداري وتنخفض تكاليفها وإجراءاتها لحدودها الدنيا.

تدريجية بالكامل

يشير الدايه إلى أنه في إطار دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة، يمكن أن تُعدّل القوانين والإجراءات لتصبح تدريجية بالكامل فيما يتعلق بمتطلبات الحصول على الترخيص الإداري، بحيث تدور عجلة المشروع كاملةً بالحد الأدنى جداً من هذه الأوراق ومن ثم يمكن أن تستكمل لاحقاً ضمن سقف زمني محدد. هذه واحدة من الخطوات الممكنة وفي الوقت ذاته مُشجعة ومن شأنها أن تمول إتمام بقية الإجراءات من واردات المشروع نفسه، وبالتالي تخفف الضغط عن أصحابها وعن المصارف التي تمنح القروض تشجيعاً ودعماً لهذا النوع من المشاريع.

الدايه: يمكن إدخال التكنولوجيا لتسهيل الحصول على التراخيص الإدارية عبر الشبكة وبتحديثٍ مستمر للمعلومات

تحرك تشريعي

يجب أن يكون هناك تحرك تشريعي واسع لكي تكون جميع المشاريع الصغيرة والكبيرة تحت مظلة القوانين والمؤسسات، فليس بالضرورة أن تؤدي بعض المشكلات والمعوقات في الحصول على التراخيص إلى عزوف صاحب المشروع والسلام، وهذه مشكلة بالطبع، ولكن من الممكن أن تؤدي أيضاً إلى ممارسة الأعمال بصورة مخالفة للأنظمة والقوانين وهو ما يعود بالضرر على الجميع ويؤدي إلى عدم الالتزام بالمواصفات والمعايير بالإضافة للتهرب الضريبي، وغير ذلك.
إذا وصلنا إلى تسهيل الحصول على التراخيص الإدارية ضمن شروط ومتطلبات ممكنة ومنطقية ومناسبة مع حجم كل مشروع، يجب بعدها تشميل كافة المهن والمشاريع وإلزامها بالحصول عليها، ومن ثم رفع الغرامات والعقوبات على عدم الحصول عليها، فمن غير المنطقي أن تكون مخالفة وعقوبة عدم الحصول على الترخيص أسهل و أوفر من الحصول عليه.
أخيراً يلفت الدايه إلى أن الحصول على الترخيص الإداري أمر مهم وضروري، ولا يمكن أن يكون مشكلة كما لا يمكن الاستغناء عنه، إلّا أن بعض المتطلبات والشروط ممكن أن تكون مشكلة في بعض الأحيان وعائقاً، وإزالة هذه العوائق ممكنة جداً بتعديل بعض النصوص القانونيّة والإجراءات الإدارية بما يتناسب مع الغاية الأساسية والسياسة العامة بدعم هذا النوع من المشاريع.

اقرأ ايضاً:

ملف «تشرين».. إعادة اكتشاف روّاد التنمية الحقيقية مهمة حكومية بامتياز.. مخرجات التعليم المهني والتقاني «قادة» المشروعات الصغيرة الاحترافيين

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار