مؤشرات لانتعاش الاقتصاد الإقليمي مدعوماً بالإقبال المتزايد على قطاعات السياحة والعقارات والنقل والصناعة
تشرين- رصد:
رجح تقرير حديث أن تسجل اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي نمواً أعلى من المعدل المرتقب لنمو الاقتصاد العالمي خلال العام الحالي، يأتي ذلك مدعوماً بتطور كبير في حجم الاستثمارات المحلية الطويلة الأجل بالمنطقة.
ووفقاً لتقرير آفاق الاقتصاد العالمي الصادر عن بنك أبو ظبي الأول، فإنه رغم التحديات الجيوسياسية وتباطؤ تعافي الاقتصاد العالمي من المتوقع أن يشهد الاقتصاد الإقليمي نمواً قوياً مدعوماً بالإقبال المتزايد على قطاعات السياحة والعقارات والنقل والصناعة.
وأشار التقرير إلى أن نسبة النمو في اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي ستبلغ 3.4 في المئة في عام 2024، بما يتخطى المعدل العالمي المتوقع والبالغ 3.1 في المئة و2.1 في المئة في الولايات المتحدة لعام 2024 وفقاً لبيانات صندوق النقد الدولي.
وكشف التقرير أن دول مجلس التعاون الخليجي مستمرة في تحقيق نسب نمو عالية في إجمالي الناتج المحلي غير النفطي، مع توقعات بأن تصل إلى 3.4 في المئة على المدى المتوسط، في ضوء مواصلة جهود هذه الدول عملها على تنويع مواردها الاقتصادية.
وعلى صعيد الأسواق المالية، طلب تقرير بنك أبو ظبي الأول من المستثمرين تنويع مخصصات الأصول في محافظهم، وإنشاء محافظ دفاعية آمنة تضمن مرونة أكبر، في ضوء المؤشرات على استمرار تقلبات الأسواق خلال عام 2024، لافتاً إلى أن زيادة الإنفاق المالي، وتباطؤ التضخم، وتقلص سوق العمل التي تشهدها الأسواق، تدعم حتى الآن عمليات الاستهلاك والإنفاق وترفع أسواق الأسهم العالمية، مشيراً إلى أثر تأخير قرارات السياسات النقدية التي قد تصبح سارية عند تراجع التضخم وأسعار الفائدة.
ورصد التقرير خمسة أخطار قد تواجه الاقتصادات خلال العام الحالي، تتمثل في الذكاء الاصطناعي، والانتخابات الرئاسية الأميركية، والتوترات في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، والتغير المناخي، والعلاقات الأميركية- الصينية، مطالباً المستثمرين بضرورة توخي الحذر نظراً لارتفاع مستويات أسعار الفائدة التي ستواصل التأثير في الاقتصادات، إضافة إلى التوترات الجيوسياسية التي ترفع حدة التقلبات في الأسواق المالية.
وذكر أنه رغم التوقعات التي تشير إلى تباطؤ النمو الاقتصادي العالمي خلال عام 2024، إلا أن أسواقنا المحلية والإقليمية تبدو أكثر مرونة، مع مؤشرات على انتعاش اقتصادي مدعوم بالإصلاحات الضرورية والتنويع الناجح للموارد الاقتصادية.
جهود التنويع تتطلب المزيد من الإصلاحات
وفي نهاية كانون الثاني الماضي، أظهر استطلاع أجرته وكالات أن اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي الست ستنمو هذا العام بنصف معدل 2022، مع تضرر عائدات النفط من توقعات بتباطؤ عالمي معتدل. ومن المتوقع أن يبلغ متوسط النمو الإجمالي في اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي الست 3.3 في المئة خلال عام 2023 و2.8 في المئة خلال العام الحالي.
في الوقت نفسه، كشف البنك الدولي أن القطاعات غير النفطية ستقود النمو الاقتصادي في دول مجلس التعاون الخليجي، لكن جهود التنويع تتطلب مزيداً من الإصلاحات، متوقعاً نمو اقتصادات دول المجلس بنسبة واحد في المئة عام 2023، قبل أن تعاود ارتفاعها لتسجل 3.6 و3.7 في المئة في عامي 2024 و2025 على التوالي.
وربط البنك الدولي تفاقم ضعف الأداء لهذا العام بصورة أساسية بانخفاض قطاع النفط، الذي من المتوقع أن ينكمش بنسبة 3.9 في المئة في عام 2023 بسبب خفض الإنتاج المستمر لمنظمة “أوبك+”، إضافة إلى التباطؤ الاقتصادي العالمي.
ومع ذلك، من المتوقع أن تنمو القطاعات غير النفطية في دول مجلس التعاون الخليجي بنسبة 3.9 في المئة في عام 2023، و3.4 في المئة على المدى المتوسط، ما سيساعد على تعويض التراجع في أنشطة قطاع النفط، ويرجع ذلك إلى عوامل عدة، منها الاستهلاك الخاص المستدام والاستثمارات الاستراتيجية الثابتة والسياسة المالية التيسيرية، مشيراً إلى أن جهود التنويع الاقتصادي في دول المجلس بدأت تؤتي ثمارها، مع استمرار الحاجة إلى مزيد من الإصلاحات.
وقال التقرير إنه للحفاظ على مسار النمو الاقتصادي الإيجابي يجب على هذه الدول أن تستمر في إدارة الاقتصاد الكلي بصورة حكيمة، والالتزام بالإصلاحات الهيكلية، وتعزيز صادراتها غير النفطية، ورغم ذلك هناك أخطار قد يكون لها أثر عكسي، مثل الصراع الحالي في الشرق الأوسط، الذي يمثل خطراً كبيراً على المنطقة وعلى آفاق دول مجلس التعاون الخليجي بصورة خاصة، إذا ما توسع أو دخل لاعبون إقليميون آخرون على الخط، إذ أدت هذه الأخطار إلى زيادة التقلبات في أسواق النفط العالمية.
وسلط التقرير الضوء على عدد من التقديرات المتعلقة بدول مجلس التعاون الخليجي التي واجهت اقتصاداتها تحديات في عام 2023 بسبب ضعف أداء القطاع النفطي وعوامل أخرى، لكن في المقابل ستدعم القطاعات غير النفطية مسار النمو الاقتصادي فيها.
توقعات يغلب عليها التفاؤل والإيجابية
قبل أيام كشف المنتدى الاستراتيجي العربي أن التوقعات الاقتصادية لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في 2024 يغلب عليها التفاؤل والإيجابية، إذ تؤكد المؤشرات مواصلة دول هذه المنطقة العمل على تعزيز النمو الاقتصادي وتراجع التضخم، رغم استمرار حالة عدم اليقين حول تداعيات الأخطار الجيوسياسية الناجمة عن النزاعات في الإقليم والعالم.
وخلال جلسة المنتدى التي حملت عنوان “حالة العالم العربي اقتصادياً في 2024″، قال مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد الدولي جهاد أزعور: إن “التوقعات القصيرة المدى لدول مجلس التعاون الخليجي في 2024، تحمل كثيراً من الإيجابية، نظراً للنمو القوي في قطاعاتها غير النفطية، وذلك رغم أن التوقعات تميل إلى تباطؤ النمو في معظم دول منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا خلال 2023، قبل أن تعود إلى التحسن بصورة طفيفة في 2024، إضافة إلى مؤشرات على وصول التضخم إلى ذروته العام الماضي في معظم دول المنطقة ليعاود الانخفاض بعد ذلك، مع وجود بعض الاختلافات بين الدول”.
وذكر أن الوقت الحالي يعد مرحلة التحالفات الكبرى ودول الخليج العربي بصفة خاصة شريك أساسي فيها، وقد منح حرصها على المشاركة في التحالفات الاقتصادية الكبرى مثل “بريكس” القدرة على المساهمة في ترك بصمة في التحولات الاقتصادية الجديدة، وقد ساهمت دول الخليج بنحو 50 مليار دولار خلال الأعوام الماضية في اقتصادات الدول المجاورة في الوقت الذي بلغت فيه إسهامات صندوق النقد الدولي في الفترة نفسها نحو 35 مليار دولار، والعالم يريد من الدول العربية بصفة عامة أن تكون شريكاً أساسياً في هذه التحولات.
هل تستمر السياسة المالية المتشددة؟
وفي ما يتعلق بالقطاع المالي، قال أزعور: إن “أسعار الفائدة استمرت في الارتفاع في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في عام 2023، وإن كان بوتيرة أبطأ مما كانت عليه في عام 2022″، مضيفاً: “نتيجة لذلك ستظل السياسة النقدية متشددة بصورة عامة في أغلبية دول المنطقة”، مستدركاً “لكن ليس في جميع البلدان، وبمقارنة أسعار الفائدة الاسمية مع تقديرات سعر الفائدة الطبيعي هناك حاجة إلى مزيد من التشديد للسيطرة على ديناميكيات الأسعار في بعض الدول العربية”.
وأشار مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد الدولي إلى أن تدفقات رأس المال إلى المنطقة شهدت انتعاشاً في أول شهرين من العام الماضي، وعادت التدفقات إلى المنطقة في أعقاب الاضطرابات المالية العالمية في آذار 2022، على عكس الأسواق الناشئة الأخرى، وإن كان بوتيرة أبطأ بكثير مما كانت عليه في عام 2022، وفي أعقاب النزاع في غزة كانت هذه المعدلات في اتجاه نزولي تسارع مع الأزمة، لكنها عادت بعد ذلك إلى مستويات ما قبل النزاع.
وأوضح أن “النزاع في غزة لم يكن له تأثير يذكر في قطاع النفط والغاز، بينما كان له تأثير سلبي في قطاعات السياحة في الاقتصادات المجاورة، إذ تتعرض عائدات السياحة، وهي صادرات مهمة للعديد من اقتصادات المنطقة، للخطر وسط مخاوف السفر”.
يشار إلى أن السياحة شكلت ما بين 5 و20 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في جميع بلدان المنطقة قبل وباء كورونا.
ولفت أزعور إلى أن الأحداث السياسية التي تمر بها المنطقة لها تأثير كبير في المستوى الاقتصادي، وهناك ثلاثة محاور اقتصادية تأثرت بهذه المجريات وهي الحركة التجارية وحركة الاستثمار والأسواق وقطاع النفط والغاز.