حرب التجويع في غزة مربعات متداخلة.. غارات رفح تعرقل المساعدات.. وأطفال لم يأكلوا خبزاً منذ شهر ونيف

تشرين- يسرى المصري:
بكم تبيع قطعة الخبز أيّها الطفل الصغير ..؟ مقطع انتشر على مواقع التواصل لطفل فلسطيني من غزة وجد مصادفةً القليل من الخبز بعد مغادرة جنود صهاينة.. وبينما كان يأكل بعض القطع استوقفه أحدهم يسأله بكم تبيع هذه القطع من الخبز.. فأجاب؛ بالتأكيد لا أبيعها مهما أعطيتني من المال..ويسأله منذ متى لم تأكل خبزاً فيقول أكثر من شهر ونصف الشهر ..؟!!
من دون خجل أو محاباة يتفرج العالم على أوضاع أهل غزة .. هل بات التجويع سياسة جديدة للصهاينة..وهل يتفرج العالم على معاناة مئات الأطفال من الجوع من دون أن يرفَ لهم جفن ؟؟
تحت وطأة اليأس التام
مظاهر المجاعة بدأت عندما بدأت المعلبات، التي اعتمد عليها أهالي القطاع في غذائهم منذ بدء العدوان، تختفي من الأسواق وتبعها دقيق القمح الذي خلت منه الأسواق ليتجه الفلسطينيون إلى طحن حبوب الذرة والشعير .

المنظمات الدولية تعترف أن الأطفال والنساء الحوامل والمرضعات يتعرضون لخطر جسيم بسبب نقص الغذاء

وفي مقاطع متعددة نشرتها وسائل التواصل وبعض القنوات التلفزيونية يتحدث أهل غزة عن مأساتهم ..
مأساة متعددة

لأسرة مكونة من 7 أفراد يبحث عبد الرحيم الجربي عن طعام في سوق مخيم جباليا، بعد نفاد ما كان يحتفظ به من دقيق، فقد كانت الأسرة تعيش على الخبر والشاي طول فترة العدوان.
يقول الجربي لم نعد نفهم شيئاً، نتجول طوال الليل والنهار بحثاً عن دقيق يكفينا ليوم واحد فقط، ولا نجد.
لا نعرف ماذا نأكل، رطل (3 كيلوغرامات) الدقيق يتراوح ثمنه بين 50 إلى 60 شيكلاً (13 إلى 15 دولاراً) ولا ندري من أين سنحضر كل هذه الأموال لنشتري الطعام لأطفالنا، خرجت تلك الكلمات منه كصراخ مكتوم.
يحاول المواطن الغربي أن يشرح ما يعانيه أقرانه من الرجال في غزة قائلا “يعيش الرجل الفلسطيني مأساة على جميع الأصعدة، فلا طعام ولا نوم جيداً بسبب استمرار القصف الإسرائيلي، ولا مياه صالحة للشرب”.
وفيما يتواصل دخول الشاحنات بشكل شحيح إلى مناطق جنوب قطاع غزة، فلم تصل أي من تلك الشاحنات إلى محافظتي غزة والشمال.

مثل البشر
بائع البرتقال خالد عبد النبي، هو الآخر يواجه المشكلة ذاتها، فقد بدأ يجمع أي طعام ولو كان غير صالح ليأكله ويطعم أفراد أسرته.

ينفجر عبد النبي غاضباً عند حديثه عما يواجهه لإطعام أسرته “هذه ليست حياة، أنا أحصل على 20 شيكلاً يومياً (نحو 7 دولارات)، وهذا المبلغ لا يكفي لشراء نصف رطل (1.5 كيلوغرام من الدقيق)، الوضع صعب بدنا (نريد) دقيقاً وطعاماً ومياهاً مثل البشر”.
ويضيف “لدي طفل وطفلة مش قادر (لا أستطيع أن) أطعمهم، حياتنا سيئة للغاية، نريد أن نعيش حياة كريمة”.
محمد حمادة صاحب مطحنة للحبوب بمخيم جباليا، يؤكد نفاد الدقيق الأبيض من الأسواق بشكل كامل، ويشير إلى أن ما يوجد في السوق الآن دقيق الذرة فقط.
ويشير إلى أنهم كانوا يطحنون الأرز، ولكن بسبب ارتفاع أسعاره توقفوا عن ذلك وبدؤوا بصنع الدقيق من الذرة وحبوب الشعير.
لمواجهة أجواء المجاعة التي يمر بها القطاع ذكر المكتب الإعلامي الحكومي في غزة أن المحافظتين بحاجة إلى ألف و300 شاحنة غذاء يوميا للخروج من حالة الجوع، بواقع 600 شاحنة للشمال و700 لغزة.
وفيما تقول إسرائيل المحتلة إنّها لا تمنع شاحنات المساعدات في معبر رفح الحدودي علماً أن المعبر يشهد تكدساً للمساعدات التي وصلت للقطاع ولكن لم يتم إدخالها حتى الآن.
 حرب التجويع
المفوض العام للأونروا قال في تصريح لوكالات : تحت القصف الجوي والتهديد بالاجتياح البري لمدينة رفح الفلسطينية، يتباطأ دخول قوافل الإغاثة والمساعدات الإنسانية المتجهة من الحدود المصرية إلى قطاع غزة.

يُضطر بعضهم لإيقاف شاحنات المساعدات وأخذ الطعام قبل إيصاله إلى الملاجئ ليأكلوا في الحال

ما يحدث في حرب التجويع في المربع الأول أنّ مسيرة قوافل المساعدات تعطلت أمام معبري كرم أبو سالم وبوابات رفح، عندما شنت قوات الاحتلال الإسرائيلي غارات جوية، شمال رفح، مواكبة لإعلان رئيس وزراء حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو عن خطة لاجتياح رفح، زاعماً وجود الأسرى الإسرائيليين في حوزة حماس داخل المدينة المتاخمة للحدود المصرية.
وفي المربع الثاني وبعد هدوء الضربات، وشروع بعض الشاحنات بالتحرك باتجاه المعابر، فوجئت بعشرات المستوطنين اليهود يعترضون مسيرة قوافل المساعدات، في تظاهرات مستمرة منذ أيام.
مصادر بالمعبر أكدت مخاوفها من تراجع عدد الشاحنات التي تمر بمعبري رفح وكرم أبو سالم بمعدلات كبيرة، مع زيادة التهديدات الإسرائيلية باقتحام رفح، ومخاوف من ارتكاب مجازر واسعة في منطقة ضيقة يقيم فيها نحو 1.4 مليون إنسان، بين الخيام وبقايا البيوت التي قصفتها قوات الاحتلال.

في المربع الثالث فانّ عبور بعض شاحنات المساعدات الغذائية والمستلزمات الطبية، وعدد آخر من شاحنات الغاز والسولار، في الأيام القليلة الماضية تواجه صعوبات مع استمرار التوتر على الحدود والمخاوف من تحريك القوافل باتجاه القطاع وسط هذه الأجواء.
كارثة انسانية
شهور طويلة تمر وسكان غزة يواجهون حرب تجويع مستمرة للشهر الخامس على التوالي، بالتوازي مع تدمير معظم المخابز والأسواق والمستشفيات ومراكز الإيواء التابعة للمنظمات الدولية التي تحاول إنقاذ الأسر من كارثة إنسانية.
وكان المتحدث باسم الأمم المتحدة ستيفان دوجاريك قد قال الأسبوع الماضي، إنّ حدّ الجوع في قطاع غزة الفلسطيني زاد 12 ضعفاً بسبب الهجمات الإسرائيلية. وأوضح دوجاريك في تصريح صحافي، أنّ الأطفال والنساء الحوامل والمرضعات يتعرضون لخطر جسيم بسبب نقص الغذاء وخدمات الرعاية الصحية وعدم كفاية المياه النظيفة في غزة.

وأشار دوجاريك إلى أن الوضع في غزة سيكون أسوأ بكثير إذا لم يتم توفير الخدمات العلاجية والوقائية اللازمة. وحسب إحصائية أممية، فإنّ 80 في المئة من السكان كانوا يعتمدون على المساعدات الإنسانية قبل العدوان، ثم بات جميع السكان بحاجة إلى المساعدات بعد العدوان.
من جانبها، أرجعت الخبيرة الاقتصادية وعضوة لجنة التحالف الشعبي لإغاثة الشعب الفلسطيني، نعيمة أبو مصطفى، انخفاض كميات المساعدات اليومية إلى أقل من 10% من احتياجات أهالي القطاع يومياً، إلى وقوف عصابات صهيونية على معبر كرم أبو سالم يعترض أفرادها على إدخال المساعدات، وما يسمح بدخوله يجري تفتيشه لاستبعاد وتدمير ما يرونه غير مناسب لأهوائهم ويلقون به على الأرض، بما يعرقل دخول أعداد كبيرة من الشاحنات ويعرّض العاملين عليها للخطر.
تشير أبو مصطفى إلى أن أفراد العصابات الصهيونية، هم جنود بجيش الاحتلال يرتدون زياً مدنياً ومدججون بالأسلحة، وتدفع بهم “إسرائيل” للواجهة لتمارس المزيد من الضغوط على الدول التي تسعى لوقف فوري لإطلاق النار وإجبار الفلسطينيين على الاستسلام للشروط الإسرائيلية لتسليم الأسرى وإخراج حماس من غزة نهائياً.
ارتفاع معدلات الفقر
وعزز الحصار الإسرائيلي من ارتفاع معدلات الفقر والبطالة وانعدام الأمن الغذائي في قطاع غزة ووصولها إلى مستويات غير مسبوقة، بعدما كانت قبل الحصار في مستوى يتلاءم مع الواقع المعيشي والاقتصادي للسكان الذين يعيشون في مساحة جغرافية لا تتجاوز 365 كيلومتراً مربعاً.

إبادة الفلسطينيين بالتقسيط
وعبرت منفذ رفح 10 سيارات إسعاف مقدمة من الإمارات للهلال الأحمر الفلسطيني قبيل لحظات من ارتكاب “إسرائيل” مجزرة جديدة في رفح، راح ضحيتها نحو 100 شهيد و100 مصاب، من بينهم أطفال، وخلفت عشرات الضحايا تحت الأنقاض، في اليوم الـ129 للعدوان الإسرائيلي على القطاع.
استهدفت الغارات الكثيفة منازل مأهولة بالسكان، قبالة جمعية الهلال الأحمر، وسط رفح، وضربت مناطق بشمال القطاع لدفعهم إلى الهروب إلى جنوبه. قالت أبو مصطفى إنّ المجازر الإسرائيلية الجديدة تستهدف “إبادة الفلسطينيين بالتقسيط” ودخول رفح على مراحل، مستهدفة تخويف الناس على أطفالهم والبحث عن مهرب خارج القطاع، أو البحث عن مكان آمن لن يجدوه.

من جانبه، دعا عضو لجنة المقاطعة الشعبية للمنتجات الصهيونية في مصر محمد المصري الحكومة للسماح للمجتمع المدني بإيصال المساعدات من الأدوية والطعام للفلسطينيين مباشرة من معبر رفح، لإنقاذ أرواح الجوعى الذين تلاحقهم “إسرائيل” على الحدود مع مصر.
لن يكون هناك كهرباء ولا طعام
وكان رئيس وزراء فلسطين قد قال إنّ العدوان الإسرائيلي الوحشي، لليوم التاسع والعشرين بعد المئة، أسفر عن 100 ألف شهيد وجريح ومفقود في غزة، بالإضافة إلى 640 شهيداً بالضفة و10 آلاف أسير.
وحذّر من أن تصعيد نتنياهو العدوان على رفح التي تؤوي 1.4 مليون إنسان يعيشون في ظروف قاسية بالخيام والعراء وتحت الأنقاض، يهدد بكارثة إنسانية جديدة، وأكد في مؤتمر صحافي، ، أنّ الشعب الفلسطيني لن يترك أرضه ولن يهجرها مهما تعنتت “إسرائيل” وأغلقت معابر غزة، ورغم حجزها للأموال المخصصة لإنقاذ المقيمين فيها.
وكان وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت المجرم قد استهل حديثه بعد طوفان الأقصى.”لقد أمرت بفرض حصار كامل على غزة، لن يكون هناك كهرباء ولا طعام، نحن نقاتل الحيوانات البشرية ونتصرف وفقاً لذلك”
وبعد 108 أيام من بدء العدوان على قطاع غزة بات أهالي شمال القطاع على شفير مجاعة حقيقية تهدد من نجا من القصف العشوائي للاحتلال بالموت جوعا، وهو ما أكده المدير العام لمكتب الإعلام الحكومي بغزة اسماعيل الثوابتة.

ففي تصريحات إعلامية أشار الثوابتة إلى أنّ أكثر من 400 ألف فلسطيني يعيشون مجاعة حقيقية في محافظة شمال القطاع، وطالب بالإسراع في فتح معبر رفح أمام المساعدات الإنسانية.

وأكد أن أكثر من 9 آلاف فلسطيني استُشهدوا بسبب غياب الرعاية الصحية، بينما يتفشى أكثر من 20 مرضاً مختلفاً في أوساط النازحين.

أطفال جوعى

في سوق مخيم جباليا شمال القطاع كان التعب والإرهاق يبدوان على آمال شعبان وهي تبحث عن دقيق القمح الأبيض لتطعم أطفالها الـ5، لكنها لم تعثر على ضالتها لتقرر شراء القمح الكامل المطحون.
وتقول لم أجد الدقيق الأبيض فاشتريت 3 كيلوغرامات من دقيق القمح، وهذا مصنوع من “قمح رديء للغاية مخصص أصلاً علفاً
تكمل آمال، حديثها بإبراز ما كان عليه العديد من سكان شمال القطاع، نأكل الأرز منذ فترة طويلة، والآن سعر الأرز ارتفع 3 أضعاف ولم نعد قادرين على شرائه، ودقيق القمح مفقود ودقيق الذرة والشعير مرتفع الثمن بشكل كبير وطعمه سيئ، تكمل السيدة الفلسطينية.
وفيما تغرورق عيونها بالدموع تضيف آمال أن الخبز الذي نصنعه من هذا الدقيق “طعمه سيئ للغاية ولا يتقبله الأطفال” بأي شكل لكن لم أجد غيره فاشتريته، “سأحاول إقناعهم بالأكل منهم”.
شراء 3 كيلوغرامات من الدقيق يكلف الفلسطيني يومياً 50 شيكلاً (نحو 14 دولاراً)، وهو ما باتت آمال تجد صعوبة في توفير هذا المبلغ، فقد دفعت آخر ما تبقّى لديها ولا يوجد لديها أي نقود تشتري بها.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار
إجراء أول عمليتي زراعة حلزون ضمن برنامج الكشف والتدخل المبكر لنقص السمع عند حديثي الولادة بحضور وزير الإعلام.. ندوة حوارية في وزارة الخارجية عن سمات وخصائص العلاقات السورية- الروسية بمناسبة مرور 80 عاماً على إقامتها وزير الزراعة السوداني يطلع على التجارب الزراعية لـ"أكساد" في اللاذقية لليوم الثاني.. مؤتمر الباحثين السوريين المغتربين 2024 يتابع أعماله.. رؤية جديدة لتأهيل الطلاب والاستثمار في الفكر البشري «سديه تيمان» والوحشية الإسرائيلية التي لا حدود لها.. المنطقة تترقب جهود الاحتواء الدولية و«رد» الكيان ما زال رهن مخاوفه بهدف اختبار الأداء والجاهزية.. البحرية الروسية تجري تدريبات قتالية بمشاركة أربعة أساطيل من السفن ووحدات الطيران البحري «الأم السورية شمس لا تغيب» فيلم «ديكودراما» يوثق دور المرأة السورية خلال سنوات الحرب أهمها تدهور الذاكرة والإدمان.. تأثير العالم الافتراضي في الصحة غير مسبوقة منذ سنوات.. تقديرات إنتاج الفستق الحلبي لهذا العام تفوق ٧٧ ألف طن ١٥.٧ مليار ليرة ديون تأمينات حماة على القطاعين العام والخاص  و ١٣ ملياراً  تحصيلات