عيد الحب “الفلانتاين” إنعاش للقلوب أم للأسواق .. وجدانيات للبيع في متاجر الاستثمار الذكي تسجّل انتصاراً على الظرف الصعب.. 

تشرين- آية محمد:

عيد الحب “الفلانتاين” هو عيد ليس بشرقي ولا علاقة بعادات وتقاليد الشرق، وإنما هي الرواية المعروفة بتاريخ الغرب بالمطلق لـ”القديس فلانتاين”.. ولانستخدم نحن الشرقيين في هذا “العيد” المفردات التقليدية التي نتداولها في المناسبات، بل له مفرداته ومصطلحه اللاتيني المعروف ” Happy Falentine” أي هو مستعار بالمطلق بطقسه واسمه.

رغم ذلك بات له مساحة لابأس بها من الحضور في أوساط جيل الشباب في بلدنا، رغم الصعوبات التي تعتري يومياتهم كما سواهم في هذه الظروف غير التقليدية..

تجارة

يقف كل من يحاول البحث عن أسباب شغفنا نحن السوريين -والشرقيين عموماً- بالمناسبات، أمام بعض ما يشبه الألغاز، إذ يبدو أن ثمة ما يحرك جذوة الاحتفاء عنوة رغم كل الظروف، ولن يجد من يبحث عن الخفايا تفسيراً، إلا من الاتجاه المتعلق بالسوق والتجارة والحملات المرافقة للمناسبات، ومحاولات الشد والجذب لغايات تجارية ربحية بحتة، واستثمار أي مناسبة مهما صغرت لتحريك الأسواق التجارية.

تنازع عاطفة ومادة

وتبدو المرأة بخصائص الأنوثة التي تحملها فطرياً، هي الهدف ومتعلقاتها من السلع هي الوسيلة التي يجري استخدامها للدفع بحركة تداول السلع التي تناغي حب التسوق عندها، فكل عيد يرتبط من جانب أو بآخر بالمرأة يكون له صداه في الأسواق التجارية، ومن هذه الأعياد عيد الفالنتاين، وعيد الأم –رغم رمزية وأهمية الثاني– لكننا لا نحتفل بعيد الأب مثلاً، والذي هو عيد عالمي أيضاً، لكن الأب كرجل ليس لديه شغف بالتسوق ولا يحمل هذه الخصلة، بالتالي لا يعول عليه التجار لإشعال حمى الازدحام والطلب على السلع النوعية الخاصة بكل مناسبة.

على الرغم من أن الحب حالة وجدانية لا مادية، إلا أن صدى المناسبات في الأسواق حّولها إلى مصالح مادية تطغى على تفكير وقلوب البشر، ولا يمكن إرضاؤها بأي هدية بسبب حمى الدعاية و”الماركيتينغ” في السوق، وهذه الحالة هي عبارة عن حالة مادية أكثر ما هي معنوية، فالتجار ينتظرون هذا اليوم -عيد الحب- بشغف لإحياء السوق وإعطائها بعداً آخر غير المعنوي الذي يفترض أن نقف عنده، ويشكل لدينا فواصل زمنية محددة بحياة الشباب، وهذا اختزال للحب لأنه بات مرتبطاً بترويج السلع والأسواق، وعلينا أن نلاحظ أن هدايا “الفالنتاين” تجاوزت الوردة الحمراء إلى هدايا ثمينة تبعاً للإمكانات المادية للطرف الذكوري في المعادلة..

عياش: المناسبات بالمفهوم الاقتصادي هي فرصة لتفعيل النشاط الاقتصادي ولو كان بشكل مؤقت أو موسمي

إيجابية

بالشكل العام؛ يرى الخبير الاقتصادي د.فادي عياش دكتور في كلية الاقتصاد بجامعة دمشق، أن المناسبات بمختلف أشكالها ومبرراتها هي حالات اجتماعية أحد مظاهرها هو تجمع للأشخاص أو الجماعات بهدف إحياء ذكرى اجتماعية أو ثقافية أو دينية أو للتعبير عن أواصر العلاقة الموجودة بين الأفراد والمجتمع.

وأن لها العديد من الممارسات والطقوس والعادات التي تهدف بمجملها إلى التعبير المتبادل عن مشاعر مشتركة بدافع تلك المناسبات.. ويعتبر أن غالباً ما تكون المناسبات فرصة لتعزيز التواصل المجتمعي وتعزيز القيم الإيجابية بين مكوناته.. وهذا دور مهم تلعبه المناسبات، بالإضافة إلى المناسبات المتعلقة بالأفراح والأحزان.

استثمار

لم يخصّ الدكتور عياش “الفالنتاين” بحديثه، فهو يعتبر أن عيد الحب يقوي الصلة والألفة والود بينهم، وحتى المناسبات ذات الأبعاد الاقتصادية كالمعارض والمهرجانات والمؤتمرات والتي تطورت بشكل كبير حتى أصبحت صناعة متكاملة الأبعاد في العديد من الدول وتسهم بنسب مهمة في الناتج الإجمالي المحلي لتلك الدول.

وبالعموم تقوم المناسبات على عوامل مجتمعية سواء كانت محلية أو حتى دخيلة مستوردة.. أصبحت تفرض العديد من السلوكيات والعادات الملزمة في المجتمع.

وأن هذه السلوكيات تطورت واتخذت أبعاداً مادية للتعبير عن المفاهيم المعنوية، وبالتالي تحولت إلى فرص استثمارية وأمست تشكل مواسم النشاطات الاقتصادية، والتي انتقلت من حالة الاستجابة العفوية إلى الاستجابة المخطط لها والتي توجه الكثير من السلوكيات المتعلقة بالمناسبات للتحول إلى أشكال مختلفة من الطلب السلعي في الأسواق.. وبالتالي حفزت على إيجاد استثمارات خاصة لتأمين العرض السلعي المناسب لتلك المناسبات.

ادخار واستعداد

من هذا المنظور يرى د.عياش أن المناسبات بالمفهوم الاقتصادي هي فرصة لتفعيل النشاط الاقتصادي ولو كان بشكل مؤقت أو موسمي.

لأن دوافع الطلب في الكثير من المناسبات تكون دوافع وجدانية تشكل ضغوط مهمة لتلبيتها، حتى لو لم تتوفر الإمكانات المالية الكافية لها ورغم الظروف الصعبة.

بل أصبح الناس يخططون في موازناتهم للكثير من المناسبات لأعياد الاجتماعية كعيد الأم والمعلم وحتى ما يسمى عيد الحب. والمناسبات الاقتصادية كالمعارض ومهرجانات التسوق ومواسم التنزيلات والتخفيضات.. حيث تشكل هذه المناسبات محركات اقتصادية مؤثرة وتنعكس على مجمل النشاطات الاقتصادية ومحركات الاقتصاد.

وأظهرد. عياش بعض النقاط المؤثرة والحساسة في كل الحالات الاقتصادية نجد بعض الحالات السلبية الناتجة عن المناسبات مثل تفاوت كبير في طبيعة النشاطات وتكاليفها كما تظهر حالات احتكارية وحالات استغلال المناسبات لمضاعفة الأسعار وزيادة الأرباح.

لكن بالمجمل المناسبات هي فرص مهمة على المستوى الاجتماعي وتشكل فرص مهمة لتنشيط الحركة الاقتصادية إذا أحسن استثمارها.

شعبان: كلنا كبشر نحتاج الحب في حياتنا وتفاصيل وجودنا لما له من تأثير إيجابي مميز ينعكس تلقائياً على كل شيء بدفئه ومفعوله العجيب والساحر

وجدانيات

من جانبها بينت الدكتورة سلوى شعبان باحثة بالقضايا الاجتماعية والنفسية تسأل “ومن منا ليس بحاجة للحب؟” كلنا كبشر نحتاج الحب في حياتنا وتفاصيل وجودنا لما له من تأثير إيجابي مميز ينعكس تلقائياً على كل شيء بدفئه ومفعوله العجيب والساحر.. هذا الدفء الذي يلف أرواحنا بالطمأنينة والراحة ويجعلنا ننطلق في الحياة للإنجاز وتحقيق ما نريد.. وكما جرت العادة عالمياً “وخاصة في الدول الغربية والأجنبية الاحتفال بعيد الحب عيد العشاق أو (عيد القديس فالنتاين الذي كان يراعي العشاق ويدافع عنهم في العصور الرومانية القديمة).

فهذه المهرجانات التي تقام في الساحات العامة في معظم العواصم الغربية والحفلات الضخمة.. وهذا الصخب والبذخ في إحياء هذه المناسبة السنوية والتي تعني الكثير والكثير للجميع والتي تحض لوجود المحبة في القلوب وضرورة اقتران قلوب العاشقين مع بعضها.. ولأننا بحاجة ماسة للحب والمحبة..حب الحبيب وحب الأهل والأصدقاء ..

انتقلت هذه الظاهرة الاجتماعية لمجتمعاتنا الشرقية وأصبحنا نحتفل بها ونخطط بكافة السبل لنعيش طقوس هذا العيد بالرغم من التفاوت بالآراء حول الاعتراف به وعدم الاعتراف.. فأسواقنا كما غيرها أصبحت تعج بالمتسوقين وبالعروض التجارية للهدايا وللقلوب الحمراء والدببة والتذكارات التي ترمز للحب والمحبة.

ولو تساءلنا ما هو مفعول الحب عند المرأة والرجل؟ وما هو تأثيره النفسي وانعكاسه على شخصية ونفسية كلا الشريكين؟ الجواب هو السعادة والسكينة بعيداً عن التوتر والقلق والخوف.. هو طريقة وأسلوب راقٍ للتخفيف من أعباء الحياة وهو بمثابة تجديد عقد الحب المشرع بين القلوب بما يرضي النفوس ووفق مراعاة الظروف والأحوال.. هو إحساس بالهدوء والانتماء والاستقرار من خلال ما تفرزه الغدد الصم في أجسادنا من هرمونات السعادة التي تجعلنا بتوزان وتبدد للقلق والهموم والأحزان.. وهذا ما نراه على وجوهنا وجليٌ وبوضوح إذ نشعر بطفولة بريئة وشعور صعب وصفه والتعبير عنه.. مهما كانت أعمارنا وجنسنا…

فمن المنظور الواقعي ووفق بعض الدراسات هناك اتهامات عديدة ضد المرأة بأنها تبحث عن الماديات وعن قيمة الهدية المقدمة لها وهذا بنسب متفاوتة بين أنثى وأخرى، فبالنهاية وفي الأعماق هي تبحث عن قلب عامر بالحب يحتويها وعن طمأنينة تغنيها عن كل شيء وعن كلمة تشعرها بأنوثتها وضرورة تواجدها في حياة الرجل، وفي الجانب الآخر ووفق نفس الدراسات نجد بعضاً من الرجال يحاولون دفع المبالغ المادية الكبيرة ليبرهنوا عن حبهم للأنثى التي يحبون وقد لا يمتلكون الأدوات العاطفية والوسيلة لإيصال مشاعرهم وعاطفتهم بصدق، وهنا نستطيع القول إن هذا العيد أخذ منحىً تجارياً بحتاً بعيداً عن جوهره ومحتواه فقيمة الحب هنا تحسب وكأننا نشتري سلعة ترد وتباع وتشترى في كل حين .بالرغم من ضرورة تواجد الهدايا ضمن هذه الاحتفالية لكن بالمنطق والعقل ومراعاة الحالة المادية ووفق اليسير والمعقول ..

فالحب يعطى مجاناً بنظرة من عين محب، ومن ضمة حنان لقلب عاشق يحتوي أنثاه، ومن اهتمام دائم وثبات على هذا الحب وبكل الحالات والمتغيرات الحياتية ..

أخيراً

على الرغم من أن كل من التقيناهم كانوا من أنصار الرأي بأهمية المناسبات على مستوى تجديد التواصل الدافئ والتراحم، واعتبروا عيد الفالنتاين أحد هذه المناسبات، إلا أن ثمة إجماعاً على أن الأعياد تحولت في مجتمعنا إلى أعباء، نتيجة النزعة التجارية والاستجابة السريعة لها من المقتدرين مادياً.

أخيراً نسأل هل مازلنا نقبل بهدية رمزية في العيد…؟

وهل تكفي وردة حمراء للتعبير عن المشاعر في “الفالنتاين” بما أنه مناسبة فرضت نفسها بيننا من جملة ما تدفق صوبنا من كل جهات هذه الدنيا؟

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار
إجراء أول عمليتي زراعة حلزون ضمن برنامج الكشف والتدخل المبكر لنقص السمع عند حديثي الولادة بحضور وزير الإعلام.. ندوة حوارية في وزارة الخارجية عن سمات وخصائص العلاقات السورية- الروسية بمناسبة مرور 80 عاماً على إقامتها وزير الزراعة السوداني يطلع على التجارب الزراعية لـ"أكساد" في اللاذقية لليوم الثاني.. مؤتمر الباحثين السوريين المغتربين 2024 يتابع أعماله.. رؤية جديدة لتأهيل الطلاب والاستثمار في الفكر البشري «سديه تيمان» والوحشية الإسرائيلية التي لا حدود لها.. المنطقة تترقب جهود الاحتواء الدولية و«رد» الكيان ما زال رهن مخاوفه بهدف اختبار الأداء والجاهزية.. البحرية الروسية تجري تدريبات قتالية بمشاركة أربعة أساطيل من السفن ووحدات الطيران البحري «الأم السورية شمس لا تغيب» فيلم «ديكودراما» يوثق دور المرأة السورية خلال سنوات الحرب أهمها تدهور الذاكرة والإدمان.. تأثير العالم الافتراضي في الصحة غير مسبوقة منذ سنوات.. تقديرات إنتاج الفستق الحلبي لهذا العام تفوق ٧٧ ألف طن ١٥.٧ مليار ليرة ديون تأمينات حماة على القطاعين العام والخاص  و ١٣ ملياراً  تحصيلات