«يونسكو» أطلقت عليها اسم فنانة السلام.. زها حديد معمارية عراقية أبهرت العالم

تشرين- د. رحيم هادي الشمخي:
يسافر العربي من دون أن يسافر، يعبر البحار، وبدلاً من أن يعيش في المجتمع الذي هاجر إليه، يبقى معزولاً مغترباً وحيداً، لا هو مندمج مع الآخر ولا هو قريب من أبناء وطنه، يبحث عن العيش ويمتلئ غضباً على واقعه الذي كان من دون أن يستفيد من واقعه الذي أصبح فيه، وتالياً يظلّ غريباً لم ينل تمر العراق أو زيتون الشام أو أرز لبنان، وقليلون هم الذين أدركوا أن عليهم أن يختاروا أن يسافروا حقاً، روحاً وجسداً.. يعيشون في عالم جديد من دون أن ينسوا جذورهم.
الدكتورة المعمارية العربية العراقية زها حديد عالمة في مجال الفن المعماري، حققت نجاحاً باهراً في مجال اختصاصها، فاهتمت بالعلاقات بين الهندسة المعمارية والمناظر الطبيعية والجيولوجيا، فأدخلتها في ممارسة مهنتها.
ولدت زها حديد يوم 31 تشرين الأول 1950 في بغداد، وهي ابنة السياسي العراقي الدكتور محمد حديد وزير مالية العراق ما بين 1958- 1963، درست الرياضيات في الجامعة الأمريكية في بيروت قبل أن تلتحق بالجمعية المعمارية في بريطانيا – لندن، فتنال منها إجازة عام 1977 وأصبحت بعد ذلك مدرّسة في الجمعية، كما عملت معيدة في كلية الآثار في لندن، ثم عيّنت أستاذة زائرة وأستاذة كرسي في عدة جامعات في أوروبا وأمريكا ومنها، هارفورد، شيكاغو، هامبورغ، أوهايو، كولومبيا ونيويورك.
أنجزت زها حديد الكثير من التصميمات المعمارية العالمية الضخمة والمتميزة، مثل منصة تزلج على الجليد في «انسبروك» في النمسا، ودار الأوبرا في «غوانغجو» في الصين، وفي كارديف عاصمة ويلز، وكذلك المتحف الوطني لفنون القرن الحادي والعشرين في روما، ومجمع في منطقة «هاي لاين في مانهاتن»، وكذلك التحفة الفنية الرائعة مركز حيدر علييف في مدينة باكو في أذربيجان.
كما صممت زها مركز الألعاب الأولمبية في لندن عام 2012، وملعب الوكرة في قطر المخصص لكأس العالم والذي يتسع لـ44 ألف متفرج، وجسر الشيخ زايد في أبو ظبي، ومحطة مترو الرياض، والمسرح الكبير في الرباط… وغيرها الكثير.
حصلت على العديد من الأوسمة والميداليات الذهبية، ففي عام 2015 تقلّدت الميدالية الذهبية الملكية البريطانية في الهندسة المعمارية بعد جان توفيل، فرانك غيري، وأوسكار نيسمايز، كما نالت جائزة «ستيرلينغ» البريطانية، إحدى أهم الجوائز العالمية في مجال الهندسة المعمارية، كما حصلت على وسام الشرف الفرنسي في الفنون والآداب.. إضافة إلى أنها نالت عام 2004 جائزة «بريتزكر» التي تعدّ بمنزلة «نوبل» في الهندسة المعمارية.
وهناك جوائز كثيرة لا أستطيع حصرها في مسيرة زها حديد العلمية، والتي أطلقت عليها «يونسكو» اسم فنانة السلام، والتي اختيرت كرابع أقوى امرأة في العالم في 2010 حسب تصنيف مجلة التايمز، كما اختيرت كأفضل الشخصيات في بريطانيا اعترافاً بإنجازاتها التاريخية في مجال الهندسة المعمارية.
الجدير ذكره أن زها حديد لم تتزوج وكرّست جلّ حياتها لمشاريعها وإبداعاتها، فقد قدّمت خلال مسيرتها نحو 950 مشروعاً في 44 دولة أجنبية وعربية.
وأخيراً فإن المهندسة المعمارية زها حديد التي ولدت في بغداد وعاشت في بريطانيا والتي أبهرت العالم بإبداعها، قد قدمت خدمات جليلة لكل المجتمعات الأوروبية والعربية، في مجال عملها الفني، وهي لم تبلغ هذا الموقع إلا من خلال اندماجها وتألقها مع هذا المجتمع الأوروبي الذي هاجرت إليه، حيث عملت على التقارب الإنساني مع كل العلماء المعماريين في أوروبا، كعالمة عربية عراقية، جاءت لخدمة الإنسان والعمل على توفير الراحة له كجانب إنساني، وهنا لابدّ من أن نذكر أن زها هي واحدة من الذين أدركوا هذه الحقيقة، وهي من قالت: «لا أعتقد أن المِعْمَار يقتصر على المَأوَى، فهو ليس مجرد سياج بسيط، بل يجب أن يُحَمِّس المرء، ويهدئ أعصابه، ويدفعه للتفكير»..
لذلك كله ولكثير غيره، نحن نقف إجلالاً لهذه العالمة العربية التي قدّمت لأوروبا أروع إنجازات العصر الحديث في الفن المعماري، عسى أن يتذكّر الأوروبيون فضل العرب العلمي في التراث المعماري عليهم.
توفيت زها حديد يوم الخميس 31 آذار 2016 عن عمر ناهز 65 عاماً في مستشفى ميامي الأمريكية، رحمها الله.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار