قذائفهم «بذار» هذه المرّة
لعلّها «كارثة» لاتقبل أقل من هذا التوصيف، تلك التي تحصل هذه الأيام في عمق بنية القطاع الزراعي السوري، حامل الأمن الغذائي لبلد ينوء تحت وطأة الحصار بعد جولات طويلة من سيناريوهات التخريب والدمار.
فصل جديد وقذر من حرب البذار، تصح تسميته «حربَ الجيل السادس» مسرحُها حقول المناطق الواقعة تحت سيطرة الاحتلالين الأميركي والتركي، مع امتدادات تجري تسللاً إلى حيث كانت تكلفة فاتورة الاستقرار الكثير من الدماء والأرواح، بالتزامن مع موسم زراعة معظم محاصيل قوت السوريين.
هي ليست المحاولة الأولى لدسّ الأصناف والسلالات الخاضعة لعبث وراثي جيني، في حقول وإهراءات أرزاق سورية، ونذكر أن ثمة محاولات تدليس بل ارتكاب أميركية جرت عبر تركيا ليس خلال سنوات العداوة والصراع، بل إبّان ذروة حقبة الانفتاح والصداقة مع الأخيرة، عندما دفعوا ببذار قمح غير قابل للإنبات وورّطوا الفلاحين السوريين بزراعته على نطاق واسع، وقضوا على المواسم في أراضٍ بمساحات شاسعة.
وبالأمس كشفت مخابر إحدى الجامعات السورية، عن «ترسانة» أميركية جديدة في منظومة الاستهداف المباشر لكل ما هو على قيد الحياة في سورية، بذار قمح ملوّث بعشرات بؤر الجائحات التي يستحيل استئصالها ومكافحتها فيما لو انتشرت وتجذّرت، تم إدخالها وتوزيعها على الفلاحين، والهدف هو الإجهاز التام على أي أمل باستئناف زراعة هذا المحصول الإستراتيجي في الجزء الأهم من حقول إنتاج سلال الغذاء السوري، بعد سلسلة حرائق موسمية متكررة مفتعلة أكلت الأخضر واليابس قبيل الحصاد.
وفي مناطق أخرى دخلت منظمات دولية على الخط، وشرعت بتوزيع بذار الكمّون – بالمناسبة.. تبوأت سورية مرتبة متقدمة عالمياً بإنتاج هذا المحصول على مرّ سنوات ما قبل الحرب – وهنا نقف أمام سلسلة تساؤلات؛ أولها لماذا الكمّون كما السؤال لماذا القمح، بل ولماذا يكون البذار دوماً مادة «السخاء المريب»؟
فالزراعة ليست بذاراً وحسب، بل وقوداً وآلاتٍ ومعدات ولائحةَ متطلباتٍ وتحدّيات طويلة أقلها تحدّي البذار، فلمَ لم تبادر ولا منظمة لتقديم أي مستلزم لإعادة إنعاش الزراعة السورية، وركّزت على البذار.. وهل هذه المنظمات – كل المنظمات- متحررة فعلاً من السطوة الأميركية؟
إن كانت منظمات حرة فلتسجل منظمة ما اعتراضاتها على شكل واحد من أشكال التخريب الممنهج لكل ملامح الحضارة في سورية، ولتعترض «فاو» مثلاً، وهي تابعة للأمم المتحدة، على توزيع البذار الفاسدة ونشرها في حقول السوريين.
باختصار؛ من السذاجة قبول التبرع ببضع ليترات من الماء كمساهمة في وليمة خيرية.. أيّاً كان المتبرّع، لأننا نكون أمام احتمالين: إما حالة استعراض أجوف، وهذا مرفوض في أدبياتنا كدولة وشعب، أو ثمة غايات مبيتة لنشر أذية من نوع ما، وهذا مقلق ومخيف، والموقف الرّاهن مقلق ومخيف وخطر ومصيري بكل معنى الكلمة، لأن «منصّات إطلاق البذار الفاسدة» أشد فتكاً بالشعوب من منصّات إطلاق الصواريخ مهما كانت ذكية ومتطورة.