يقرأ ويكتب
لم أدرك ماهية تصنيفي التعليمي، إلّا عندما أخرجت صورة عن هويتي كمتعامل مع المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية بهدف الاطمئنان على وضعي التأميني، حيث سُطر في حقل -رمز الحالة التعليمية- يقرأ ويكتب!
بالطبع حالة التوصيف هذه بقدر ما تثير الدعابة فهي مدعاةً للاستهجان، إذ لا يمكن فهم عدم التوصيف الدقيق للحالة التعليمية لمتعامل مع مؤسسة عريقة والاكتفاء بوضع عبارة يقرأ ويكتب، فهل ذلك حالة طبيعية، أم إنه قد يقاس على إغفال معلومات أخرى عن المتعاملين بسبب جهل البيانات الصحيحة عنهم؟
بالمناسبة؛ أعادتني هذه الواقعة في الذاكرة لما حدث معي قبل حوالي الثلاثين عاماً، عندما درّست مادة التربية الوطنية على نظام الساعات لفترة وجيزة قبل أن أحظى بفرصة عمل تتلاءم وشهادتي الجامعية في الصحافة، حيث كان بعض الأهل عندما أتشدد مع أبنائهم في حال تقصيرهم الدراسي، يأتون ويطلبون ألّا أدقق عليهم كثيراً.. قائلين: ما يهمنا أنهم يقرؤون ويكتبون، لأن مصيرهم السفر إلى دول الخليج، حيث تشتهر بلدتهم بكثرة الاغتراب والعمل في مهن لا تحتاج فعلاً من الشخص أكثر من .. يقرأ ويكتب.
وقد يرى كثيرون أن الحق كان معهم بذلك، خاصةً أمام ما يبدو من مشاهد للقادمين منهم بقصد زيارة البلاد من تلك الدول، وهم من مهنيي ميكانيك وكهرباء وبنشر وتشحيم السيارات أو أعمال البناء وغيرها، حيث يركبون أفخر السيارات ولديهم أجمل الفلل فيما ينفقون بسخاء على كل ما يحلو لهم.
يحضر بالسياق الحديث عن الشرط الذي يقضي بضرورة أن يكون المتقدم لمسابقات تعيين السائقين من حملة شهادة التعليم الأساسي (التاسع)، ولا أعلم لماذا لا يتم الاكتفاء هنا بعبارة يقرأ ويكتب؟ فهو مكانها الأفضل من أي مكان آخر، وخاصةً في ظل ظروفنا الراهنة التي تعاني معظم الجهات العامة من شحّ السائقين وقلة المتقدمين منهم للمسابقات، لأن مثل هذه المهنة وخاصة لجهة قيادة الآليات الثقيلة من شاحنات وبلدوزرات ورافعات وغيرها، باتت مطلوبة وبكثرة في القطاع الخاص وأجورها مجزية جداً.
بعد الأمل بأن يتم توظيف عبارة يقرأ ويكتب بمكانها الصحيح سواءً في الحالات السابقة أو غيرها، ومع كل التقدير لقيمة التعليم العالي الذي لا تتطور الأمم إلاّ بعطاء مخرجاته، فلا أخفيكم أنني أتمنى أحياناً وخاصةً في ظل ظروفنا المعيشية القاسية لو بقيت عند مستوى يقرأ ويكتب، لما يتيحه من عمل حرّ بأجر يواكب الرائج ويمكن المرء من تغطية متطلبات الحياة ولو بالحدّ الأدنى.