كساد فذبول
مع غروب الشمس، حيث شارف العمل على الانتهاء، بدت عبوات الباذنجان (الحمصي) الذي عادة ما يتم شراؤه لغرض مؤونة المكدوس مكدسة عصية النفاد، فيما يحاول الباعة تجميل واجهاتها بحبات نضرة لمداراة ما أصابها من ذبول بسبب بقائها وقتاً طويلاً تحت الحرارة العالية، لعلّ ذلك يسهم بترغيب بعض الزبائن لشرائها.
لم يغب ضمن سوق الكاشف في مدينة درعا، تهامس الباعة فيما بينهم عن الخسارة المحتمل لحاقها بهم نتيجة عدم القدرة على تصريف تلك الكميات، وخاصة مع تدني جودتها أكثر فأكثر في حال باتت لليوم التالي، وهو ما قد يحدث بالفعل على الرغم من محاولاتهم استقطاب الزبائن عبر المهادنة بالسعر لأدنى حدّ ممكن تحت عنوان “بيعة مسا”، لأن الأمر بالنسبة للمكدوس كما يعرف الجميع ليس مسألة باذنجان فقط، بل هناك متممات باهظة التكاليف من الفليفلة إلى الثوم فالجوز والزيت، التي لا قدرة لمعظم الأسر الفقيرة ضمن الظروف الراهنة على تحملها.
في الجوار؛ بقية خضر السوق وخاصة غالية الثمن منها مثل الفاصولياء والبامياء واللوبياء، يلاحظ أن الذبول والاصفرار قد أصابها أيضاً، لأن تصريفها ضعيف جداً ومعظم رواد السوق ما إن يسألوا الباعة عن الثمن ويسمعوا الجواب حتى تجدهم يحيلون الطرف جانباً ويغادرون على الفور.
الظاهرة التي أمست إلى اتساع، تتمثل بزيادة من يؤجلون قدومهم للسوق إلى قبيل إغلاقه بقليل، لعلهم بأسعار منخفضة يحظون ببعض احتياجاتهم مما تبقى من تصفية الخضر، مثل البندورة والكوسا والبطاطا وغيرها ذات الحبات المكسورة أو الطرية أو الذابلة، ولن يغيب مشهد البعض ممن يأتون بعد انتهاء العمل تماماً في السوق، وذلك على أمل الحصول على شيء مما تركه الباعة على البسطات من بقايا خضر عصية على التصريف.
إن ما حدث مؤخراً من فورة كبيرة في أسعار الخضر على اختلافها، يستدعي وقفة جادة ومسؤولة تضبط بدقة آليات التصدير بناء على كميات الإنتاج الفعلية لا عشوائية التقدير، توازياً مع أهمية إعادة النظر بواقع دعم القطاع الزراعي الذي يشكل العماد الأساس لأمننا الغذائي، والعمل على تعزيز ذلك الدعم بشكل أكبر للإسهام بخفض تكاليف مستلزماته قدر المستطاع، وزيادة إنتاجه الذي يصب في النهاية بمصلحة المستهلكين الفقراء، عبر تمكينهم من الحصول على احتياجاتهم منه بأسعار محمولة.