الإعلام التركي عندما يتحدث بكل تلك الصفاقة عن «عدم اليقين» حول «مستقبل التطبيع».. أهداف وأبعاد «مفخخة» والتجارب السابقة دروس مدفوعة الثمن؟!

تشرين – مها سلطان
اليقين في «عدم اليقين» الذي خرجت علينا به وسائل الإعلام التركية الموالية لأردوغان في اليومين الماضيين، حول مستقبل التطبيع بين سورية وتركيا..
– اليقين هو أن النظام التركي الذي يتزعمه رجب أردوغان أكمل استدارته، كاشفاً أكثر فأكثر عن نياته الخبيثة الكامنة بعد أشهر من طلب وساطة روسيا، بل لاستجدائها في سبيل أن تقبل الدولة السورية الدخول في محادثات تطبيع معه، علماً أن القبول جاء من سورية بهدف تظهير ذلك «اليقين» وإثبات أن النظام التركي هدفه الأول والأخير هو البقاء في سورية محتلاً.. وأنه دخل في محادثات التطبيع على قاعدة تثبيت الوقائع- الجغرافية والديموغرافية والعسكرية- التي اختلقها على الأرض السورية في الشمال، وتكريس المناطق المحتلة كأراض تركية، متوهماً بأنه مع تقادم الوقت والمماطلة والمناورة عبر استدارات متتالية، سيتمكن من تحقيق أطماعه العدوانية.
**** **** ****
– واليقين هو أنه كان لا بد من استدارة إعلامية تترافق مع استدارة أردوغان الجديدة، علماً أننا لم نكن بحاجة إلى أن تخرج علينا بذلك الحديث عن «مستقبل مجهول» لمسار التطبيع (كما جاء في صحيفة صباح) بزعم أن تصريحات المسؤولين السوريين والأتراك توحي بذلك. هذا «المستقبل المجهول» كان واضحاً جداً وإن تخلله أحياناً بعض تفاؤل لم يتسع بما يكفي للتعويل عليه.. حتى عندما طرحت روسيا تحييد أو تأجيل المسألة السياسية/الميدانية لمصلحة تفعيل «مسارات اقتصادية» لم يكن متوقعاً لذلك أن ينجح في ظل أن النظام التركي يريد لهذه المسارات أن تكون أيضاً تكريساً لمسار احتلال لم ينتهِ بعد، فأطماع التركي لا تتوقف فقط على المناطق التي يحتلها حالياً.
فجأة.. بدا أن الإعلام التركي اكتشف «الطبيعة المعقدة للصراع في سورية، والأولويات المتباينة للأطراف الخارجية»، حسب الصحيفة نفسها، لكن ما لم نفهمه، ولا نعتقد أن أحداً فهمه، هو حديثها عما سمته «السلوك الغامض للدولة السورية» معتبرة أن «التطبيع الحقيقي يستلزم ثلاثة شروط مسبقة تتعلق بسيادة سورية وسلامتها الإقليمية وتماسكها السياسي، وفي الوقت الراهن لم يتوفر أي من هذه الشروط».. ولا تذكر الصحيفة الموالية لأردوغان أن النظام التركي هو المسؤول الأول عن هذا الوضع.. وهو المجرم الأول في كل ما يتعرض له السوريون من إرهاب عسكري واقتصادي منذ 13 عاماً حتى الآن.
أما مسألة أنه «لم يتبلور نهج للتنسيق والتعاون بين أنقرة ودمشق لمحاربة التنظيمات الإرهابية» الكردية طبعاً، كما تقول الصحيفة، فكيف يمكن لذلك أن يتحقق إذا كانت تركيا تتخذ مما تسميه الإرهاب الكردي ذريعة لتكريس احتلالها في شمال سورية.
.. لتنسحب تركيا وتترك للدولة السورية والجيش السوري مسألة التعامل مع «الإرهاب الكردي» مادام موجوداً على الأراضي السورية، وليتوقف النظام التركي عن دعم المجموعات الإرهابية المسلحة التي يتخذها واجهة لاحتلاله، وليمتنع نظام أردوغان عن التآمر مع المحتل الأميركي، ميدانياً وسياسياً، بهدف التقاسم والتقسيم، وتالياً الكذب والتكاذب على طرفي الوساطة، روسيا وإيران، بأنه يريد الأمن والأمان لحدوده ومواطنيه.. هذه الأكاذيب لم تنطلِ منذ البداية على الدولة السورية، ولا على أي سوري.
وفيما يخص الحديث عن أن «الاختلاف في تحديد أولويات القضايا لدى كل طرف» يشكل العامل الرئيسي وراء عدم التقدم في مسار التطبيع، فهذا صحيح وغير صحيح في آن..
صحيح.. لأن أولويات تركيا هي احتلال الأرض، بينما أولويات الدولة السورية هي تحرير الأرض والحفاظ على وحدتها وسلامتها واستعادة السيادة على كل شبر من الأرض السورية وهذا حق تكفله لها كل الأعراف والمواثيق الدولية ضد من يشكل تهديداً لكل ذلك، وهو هنا المحتل التركي (ومعه الأميركي).
وغير صحيح.. لأنه من المستحيل، بل من المُعيب على أي أحد، وضع الدولة السورية في كفة واحدة مع النظام التركي عندما يكون الحديث حديث أولويات، وعندما تكون الدولة السورية هي الطرف المُعتدى عليه من النظام التركي، هنا من نافل القول إنه لا يمكن أن تكون الأولويات واحدة أو إنه يمكن التنسيق أو التقريب بينها، الدولة السورية أولوياتها تحرير الأرض والنظام التركي أولوياته احتلال الأرض، فكيف يمكن تحقيق تنسيق في الأولويات أو حتى التقريب بينها؟
**** **** ****
– أيضاً.. اليقين في «عدم اليقين» حول مسار التطبيع، هو كمية الخبث (والسفاهة) في أن تجري صحيفة «حرييت» – الموالية لأردوغان أيضاً – مقارنة بين مسار التطبيع مع سورية، ومسار التطبيع مع الدول العربية الأخرى، والقول إنه قطع أشواطاً واسعة وإن مسار عودة العلاقات التركية- العربية إلى سابق عهدها يكاد يكتمل، وتضرب ذلك كمثال تُدين به الدولة السورية وتحملها مسؤولية عرقلة التطبيع.

لن نتحدث في مسألة المقارنة هذه، فهي تتحدث عن نفسها بنفسها وإن كنا لسنا بعاجزين عن الرد على هذا الخبث وهذه السفاهة في المقارنة.
**** **** ****
– واليقين.. أنه عندما تجدد سورية مراراً وتكراراً أنها لن تجلس مع النظام التركي على طاولة واحدة وفق شروطه، فهذا حق لها. ألا يكفي هذا النظام أنه يعتدي ويحتل أراضي سورية، وفوق ذلك يريد التفاوض وفق شروطه؟ هذا الموقف السوري الذي لا تنازل عنه ليس هو من يعرقل التطبيع كما تزعم «حرييت»، بل من يتمسك بعدوانه على الأرض السورية هو من يعرقل التطبيع، ومن لا يستحي من إعلان أطماعه العدوانية في سورية (وفي كل الدول العربية إذا استطاع إلى ذلك سبيلاً.. ولنا في ليبيا مثال جازم) فهو من يعرقل التطبيع، ومن يستدير وفق المرحلة، فلا تعرف له مبدأً ولا قانوناً ولا أخلاقاً.. هو من يعرقل التطبيع؟.. سورية لم تعتدِ على تركيا في أي مرحلة، بل تركيا هي من تعتدي وتتحين كل الفرص لتوسيع اعتدائها.
*** **** ****
وفق كل ما سبق، هل ما زال بالإمكان الحديث عن احتمالات استئناف مسار التطبيع.. أو عن اجتماع رباعي جديد؟
لنلاحظ هنا أنه لا روسيا ولا إيران تتحدث عن هذه المسألة، بل إن عدم الحديث نهائياً من قبلهما جعل هذا المسار برمته يبدو كأنه لم يكن موجوداً.. هل هذا يعني العودة إلى المربع الأول؟
لا.. لأن مسار التطبيع – في الأساس – لم يتجاوز المربع الأول. المسألة اليوم تتلخص في أن المحتل التركي يريد الانتقال من المربع الأول إلى مربع جديد يوسع فيه دائرة الاحتلال من جهة، ويُعمقه من جهة ثانية، وهو هنا يستغل «مسألة اللاجئين» في سبيل ذلك، من خلال إعادة هؤلاء إلى المناطق التي يحتلها في الشمال بعد أن يكون قد أنهى «تتريكها» لغوياً وتعليمياً وثقافياً واجتماعياً واقتصادياً، وكله بذريعة ما يسمى «العودة الآمنة».. وفوق كل ذلك يأتي النظام التركي وإعلامه ليتحدث بصفاقة وسفاهة عن «عدم اليقين» وعن أولويات ومقارنات ومقاربات.. وعن محاربة الإرهاب!!

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار