شاعرٌ ذهب خطأً إلى الرواية.. رحلةٌ في أدب وحياة «حيدر حيدر» في ثقافي بانياس
تشرين- ثناء عليان:
بين القصة والرواية كانت مسيرة الأديب الراحل «حيدر حيدر» حافلة بالأعمال التي تركت أثراً في الأدب العربي عامةً والسوري خاصةً، أديب متميز متفرد كتب الزمن الموحش، وهاجرت نوارسه، فكتب حكاياها، ومرايا النار، كان الومض «يولم أعشاب البحر» و«أوراق المنفى» لم تترك سيرة «الفهد» إلا و«الفيضان» يعلو «غسق الآلهة»، أديب بحجم حيدر حيدر هل يمكن لغير الصديق أن يقف على مسيرة حياته وأدبه؟ بهذا التقديم دعت الشاعرة نعمى سليمان الدكتور القاص والأديب محمد حاج صالح صديق الراحل حيدر حيدر ليقدم محاضرته بعنوان (حيدر حيدر رحلة حياة وأدب) في قصر الثقافة في بانياس بالتعاون مع جمعية بانياس الثقافية.
تحدث الدكتور حاج صالح عن علاقته بالراحل حيدر حيدر ولقاءاته اليومية به وسهراتهم، وما كان يجري فيها من حوارات فكرية وأدبية وعلمية، لافتاً إلى نصائح الأديب الراحل له في الأدب، مؤكداً أن الكاتب حيدر كان الأكثر وضوحاً بين الكتّاب، وكان صادقاً في التعبير عن مشاعره وعما يدور من حوله، لم يخف أمراً، ولم يداور ويناور، بل كان في كتاباته يغورعميقاً في الجرح العربي ليفجر الصديد بعيداً عن الأحقاد، كتب روايته (الزمن الموحش) عن دمشق وذكرياته فيها، ولم يخف إحساسه بالنشوة والظفر فكتب في السطور الأولى للرواية: «ها هم قادمون من الجبال والسهول باتجاه المدن، في عيونهم غضب، وعلى جباههم غبار ومجد منتظر، في الرياح تخفق راياتهم وأصواتهم الجليلة تملأ سمع العالم، تحتهم ترتعش الأرض ونفوسهم مفعمة بالآمال والغبطة» وبين صاحب «هكذا كان اسمها» أن الكثير من الأدباء يعدون رواية «الزمن الموحش» من أهم الأعمال الروائية للراحل حيدر، لكنه يرى أن رواية «وليمة لأعشاب البحر» هي الأهم.
وتطرق صاحب رواية «يوم في حياة مجنون» إلى فترة عهد الانقلابات وإجهاد تلك التجربة بدايةً من حسني الزعيم، وما تلاه من تدخل أمريكا مرة وبريطانيا مرة أخرى، إذ كان لحرب ١٩٤٨ أكبر الأثر في نفس الأديب حيدر حيدر وإيمانه بأن الثورة في الدول العربية قد يكون لها دور فاعل، لكن ما جرى في العراق والجزائر على مدى السنين أحبطه من جديد إلى أن قامت الثورة الفلسطينية، فعمل مع الفلسطينيين في لبنان، ثم انتقل إلى قبرص بعد رحيل الفلسطينيين من لبنان، إذ عمل في مجلة فلسطينية في قبرص، بعدها سافر إلى الجزائر ليعمل مدرساً فيها، وهناك بدأ كتابته لـ «الزمن الموحش» طوال سبع سنوات، ثم عاد إلى سورية ليستقر فيها ملتزماً بعدم النقد الصريح المباشر كتابة، لكن لسانه لم يكن يهدأ عن نقد وتجريح كل السلبيات.
ويعدّ أدب الكاتب حيدر –حسب صالح- من نفائس الأدب السوري والعربي المعاصر، خاصة روايته (وليمة لأعشاب البحر) لثرائها اللغوي ولتشريحها الواقع العربي، ورغم جمالياتها اللغوية العالية وقوة السرد فيها، ظلت بطيئة في التوزيع والنشر، لا يدري بها سوى القلة من القراء والكتاب، إلى أن حدثت اضطرابات في مصر تسبب بها الإخوان المسلمون، وتم منعها فترة إلى أن أجاز وزير الثقافة وقتها والنقاد نشرها من جديد، لافتاً إلى غلبة اللغة الشعرية عليها، فلو أخذنا مقاطع منها متفردة لقرأنا شعراً حديثاً، وكما يقول ممدوح عدوان عنه: «حيدر شاعر ذهب خطأً إلى الرواية».
لقد أثرى الأديب حيدر حيدر المكتبة العربية بأعماله التي أثرت بدورها في الكثير من الشبان، ولم يختلف أحد على لغته الثرية، وكان الاختلاف –حسب صالح- على المضمون الجريء، إذ لم يكن يأبه بالمحرمات الثلاثة: «الدين والجنس والسياسة» ما جعل الكثيرين يختلفون معه، ودفع الشبان للانحياز إلى كتاباته.
ويرى الدكتور محمد الحاج صالح أن الراحل حيدر حيدر كأن أديباً ومثقفاً جذرياً يسارياً ماركسياً كما يحب أن يطلق على نفسه، وظف موهبته للتعبيرعن أوجاع ناسه وشعبه ليس في سورية وحدها، بل في كل مكان يرى فيه ظلماً يحوق.
بدوره، قدم الشاعر علي سعادة مداخلة تحدث فيها عن لقائه الأول بالراحل قبل ربع قرن إلا قليلاً في صالون معاذ حسن الأدبي في طرطوس لمناقشة روايته «شموس الغجر» بحضور متنوع من أدباء وشعراء وروائيين وقاصين ومثقفين، مشيراً إلى رحابة صدر الأديب حيدر، إذ قال حينها «صدري مفتوح للجميع، وآمل أن أسمع السلبيات»، إذ لم يقصر أحد من الحضور في تعرية الرواية التي تُعري بيئتها الموغلة في صراع بين تيارين «تنويري، وظلامي».. ومازال الصراع مستمراً.