ملف «تشرين».. قمة فيلنيوس.. أردوغان يعود إلى جلده ونتائج الحسابات الخاطئة ليست بعيدة
تشرين – هبا علي أحمد:
لم يُطق الرئيس التركي رجب أردوغان الانعتاق من جلده الغربي الأطلسي أكثر من ذلك، فما قبل الانتخابات ليس كما بعدها، ماقبلها كان مهدداً غير آمن، وما بعدها بات غير عابئ، وبات لزاماً العودة إلى التموضع القديم بجانب «ناتو» بشقيه الأوروبي والأمريكي.
كانت قمة «ناتو» الأخيرة في فيلنيوس المحطة التي أعادت أردوغان إلى مناوراته المعهودة بين الشرق والغرب، وبشكل أكثر تحديداً بين واشنطن وموسكو، والتي أعادت الأطلسي إلى التودّد لأردوغان متجاهلاً ما شابَ الفترة الأخيرة من فتور وتنافر، وعليه لم تكن القمة مفاجئة لناحية تصرف أردوغان فقط، عامل الوقت هو ما كان عائقاً، والوقت المقصود هنا الذي يختاره أردوغان.
المراوغة التي يَظن أردوغان أنه بارع بها بين واشنطن وموسكو غير مجدية
المتغيرات العالمية اليوم تتطلب تحديد التوجهات.. إما معنا أو ضدنا.. المنتصف لا يجدي
بين طائرات «إف ١٦» الأمريكية، ورفع الحظر عن مبيعات الأسلحة الأميركية لتركيا، وإعادتها إلى برنامج تصنيع طائرات «إف – 35» وبين الاتفاقات التركية مع روسيا في أوكرانيا وسورية على وجه التحديد، يقف أردوغان ويُفاضل، هذه المفاضلة بالذات أثبتت المراوغات التركية السابقة وأثبتت أيضاً بما لا يدع مجالاً للشك أن أردوغان طوال الفترة السابقة كان يبتز الغرب والأمريكي ويبث الإشارات، في الوقت ذاته لينقذه الغرب من مساره الذي سلكه بالتوجه شرقاً ويعيده إلى حضنه الطبيعي الأطلسي، فيجب ألا ننسى أن تركيا بموقعها الاستراتيجي الحساس ووزنها في محيطها ضرورية للأطلسي، ويجب أن نتذكر دائماً أنها دولة أطلسية وقوة عسكرية كبرى في حلف ناتو وخسارتها يعني خسارة إحدى القواعد المتقدمة في المنطقة بالنسبة للغرب، ناهيك عن المزايا التي يراها أردوغان بوجوده ضمن جلده، رغم أن مسألة انضمامه للاتحاد الأوروبي أبعد ما تكون عن ناظريه مهما أوهم ذاته، فالغرب لم يقبله سابقاً ولن يقبله لاحقاً، وإن كان أردوغان يعتمد على واشنطن في ذلك ببعض الاستفزازات، فالأخيرة قالتها: إننا نؤيد انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، ولكنّ هذا شأن أوروبي بحت.
ماذا يُفهم من ذلك؟
يُفهم على أنه مناورة لإعادة أردوغان للغرب وإبعاده عن روسيا ودق إسفين بين الجانبين وبعدها تتم المماطلة والتسويف لكل المطالب التركية.
طبعاً لا يعني ماسبق أن أردوغان حمل وديع مغلوب على أمره، فهو ليس بريئاً وسياسته لم تتغير باللعب على المتناقضات بين الشرق والغرب، واستدارته وإعادة تموضعه كانت مؤكدة فهو لا يُؤتمن الجانب وتحقيق مصالحه الخارجية أهم أهدافه، والواضح أن أهم مصالحه تكمن بتموضعه مع الغرب ومع الأمريكي، ولكن الأهم اليوم هو السؤال التالي: إلى أي مدى سينجح أردوغان في سياسته.. ما هو موقف موسكو من التطورات اللافتة التي أفرزتها قمة ليتوانيا.. وما مصير العلاقات والاتفاقات التركية – الروسية ولاسيما في موضوع مسار المصالحة التركية – السورية؟
إذا كان النجاح حليفاً لأردوغان إلى الآن في سياساته وعمله على الموازنة بين علاقاته الغربية والشرقية، فليس بالضرورة أن يستمر في نجاحه، لسبب واحد أن روسيا ليست دولة من الممكن أن تنطلي عليها الخدع التركية بسهولة ويتم تمريرها، رغم حاجة موسكو لأنقرة بوزنها وأوراقها في غير ملف إلا أن ذلك لا يعني التساهل وبالإمكان العودة إلى المربع الأول البعيد عن أردوغان، وما الأنباء التي أشارت إلى إلغاء الزيارة المقررة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى تركيا الشهر المقبل إلّا أولى البوادر وما يرتبط بذلك من تداعيات ولاسيما فيما يخص الحرب الأوكرانية.
قمة فيلنيوس وضعت العلاقات الروسية – التركية على محك الأولويات والضرورات..
والعين على روسيا في المرحلة المقبلة وكيف سيكون شكل علاقاتها مع تركيا؟
أما مسار المصالحة السورية – التركية، فرغم المساعي الروسية – الإيرانية في ذلك إلّا أن ذلك لن يتحقق طالما أنقرة لم تلتزم بتعهداتها وبما يترتب عليها، نحن في سورية ثابتون على موقفنا والميدان هو بيدنا وماضون في طريق محاربة الإرهاب الذي ترعاه تركيا ومحاربتها بصفتها قوة احتلال، والمصالحة بتداعياتها كما تحقق الأمن والاستقرار لنا تحققه لها أيضاً وبذات الدرجة، ولكن نستطيع الاستمرار والمحاربة وتحقيق أمننا بطريقتنا دون تركيا ومصالحتها، فعلى مدار الـ١٣ عاماً واجهنا المحتل التركي، وعاجلاً أم آجلاً سيضطر مرغماً إلى الانسحاب كما انسحبت أمريكا ذليلة من أفغانستان.
أما بالنسبة لروسيا أحد الأطراف الراعية للمسار فما لم يحسب أردوغان حسابه هو إيقاف روسيا هذا المسار رغم أهميته لجميع الأطراف وانعكاسه على سورية وروسيا في أوكرانيا على نحو خاص، فهي متطابقة تماماً مع التوجهات السورية ذات الصلة ولن تحيد عن ما يؤدي إلى تحقيق الأمن والاستقرار لسورية، الشعب والدولة، ولن تحقق لتركيا مطالبها دون أي مقابل.
وعطفاً على ما سبق، ما لم يحسب حسابه أردوغان أن الموازنة التي يظن أنه بارع بها بين واشنطن وموسكو غير مجدية، وعالم اليوم ليس كعالم قبل عقدين من الزمن ولا حتى قبل سنتين، فالمتغيرات تتطلب تحديد التوجهات إما معنا أو ضدنا، فالمنتصف لا يجدي.
الميل لواشنطن بات واضحاً لدى أردوغان، لكن ما لم ينتبه له الأخير أن أمريكا لن تشفع له ميله لروسيا، والأخيرة لن تشفع له «الطعن في ظهرها» كما حصل في قمة «ناتو».. وإلى حين الانتباه لحساباته الخاطئة سيصل إلى موضع يجعله لاهثاً لخطب ودّ موسكو مجدداً إن تطورت الأمور إلى خلافات كبيرة.
بالعموم لم نفاجأ بأردوغان، وقلنامسبقاً إنه لا يؤتمن.. كنا فقط بانتظار أن نراه على الشاشات في الحضن الغربي.
اقرأ أيضاً:
ملف «تشرين».. قمة «الرد على روسيا والصين» في فيلنيوس.. أميركا تدفع باتجاه خراب عالمي جديد