قرطبة.. أيقونةُ الحضارة والشعر العربيّ في الأندلس
تشرين- رحيم هادي الشمخي:
صارت الأندلس أعظم بلاد الدنيا وقتها، وبلغت ما لم تبلغه أيّ نظيرة لها في التاريخ والعلم والشعر والفن والمعمار والأدب، وكل ما تقوم به حضارات البشر.
وبرزت مدينة قرطبة جوهرة العالم في عهد عبد الرحمن الناصر أيقونة للأدب العربي، فاتسعت أرضها في عهده، وبلغ عدد سكانها النصف مليون نسمة، وكان فيها 113 ألف دار، و3 آلاف مسجد، وكان في قصر الزهراء وحده 400 دار، وقد شيّد الناصر مدينة الزهراء التي كانت من معجزات زمانه، وهي ذات ثلاث طبقات: سفلى للحراسة والمكتبة والعمال، وعليا للوزراء وأصحاب شؤون الدولة، ووسطى وفيها قصر الخلافة.
كانت ميزانية الدولة العربية في الأندلس في عهده ستة ملايين دينار من الذهب، يذهب ثلثها للجيش، وثلثها للبناء والإعمار والرواتب، والثلث الباقي للادخار، وقد رضخت لعبد الرحمن الناصر ممالك الشمال والجنوب، وكان أديباً شاعراً، كرّم العديد من الشعراء ورجال الفكر والتاريخ، وكان له يوم في كل أسبوع للشعر في قرطبة، وكان عموم الشعراء والأدباء يلتقون في مدرسة قرطبة الأدبية التي أعطت مثالاً لكل أدباء العالم، إذ عجّت هذه المدرسة بفروعها العلمية والأدبية، وأصبحت مناراً لكل الحاجيّن إليها من كلّ حدب وصوب، ولا ننسى التأثير المكاني والروحي لشعرائها مثل؛ ابن زيدون وولادة بنت المستكفي والمغني زرياب وابن اسحق الموصلي وغيرهم.
وفي قصيدة نونية ألّفها الشاعر الأندلسي أبو البقاء الرندي عام 1267م، وهي من أشهر نماذج الشعر والأدب الأندلسي، وهو يرثي قرطبة يقول:
لِكُلِّ شَيءٍ إِذا ما تَمّ نُقصانُ
فَلا يُغَرَّ بِطيبِ العَيشِ إِنسانُ
هِيَ الأُمُورُ كَما شاهَدتُها دُوَلٌ
مَن سَرّهُ زَمَن ساءَتهُ أَزمانُ
وَهَذِهِ الدارُ لا تُبقي عَلى أَحَدٍ ولا يَدُومُ عَلى حالٍ لَها شانُ
أَينَ المُلوكُ ذَوو التيجانِ مِن يَمَنٍ
وأَينَ مِنهُم أَكالِيلٌ وَتيجَانُ
وَأَين قُرطُبة دارُ العُلُومِ فَكَم
مِن عالِمٍ قَد سَما فِيها لَهُ شانُ