أولادنا يعلّقون آمالهم على ثروات وكنوز كلمة السر فيها “الذكاء الاصطناعي”
تشرين- يسرى المصري:
تقول ابنتي طالبة الجامعة في الحقوق: وجدت عملاً على النت يتعلق بالذكاء الاصطناعي يتطلب مهارات في إعداد نسخ تسويقية باستخدام مؤلف الإعلانات المدعم بالذكاء الاصطناعي، عبر إنشاء نص فريد من نوعه لمقاطع الفيديو والإعلانات وعروض الأسعار والمنتجات والمدونات والمقالات والمزيد باستخدام أدوات كتابة المحتوى الرقمي .
تنبهت فجأة إلى أن ما يدار حول الذكاء الاصطناعي وأدواته بات أقرب إلى مجتمعاتنا البسيطة أكثر مما نتخيل.. وأولادنا والجيل الجديد.. يستخدمون أدواته في إدارة محتوى صفحاتهم الخاصة. ولا أدري كم نحتاج من الوقت لنجد هذه التطبيقات وقد باتت جزءاً من مجتمعنا واقتصادنا واستثماراتنا.
البرامج الرقمية تدخل مجتمعاتنا البسيطة أكثر مما نتخيل والجيل الجديد يستخدم أدواته في إدارة محتوى صفحاتهم الخاصة
وعندما يتعلق الأمر بالدور الذي يمكن أن يساهم به الذكاء الاصطناعي في مجال الاقتصاد، فإن الأرقام تبدو مثيرة للانتباه بشكل كبير، حيث تكشف بعض الدراسات أن المساهمة المحتملة له في الاقتصاد العالمي بحلول 2030 ستبلغ 15.7 تريليون دولار، أي أكثر من الناتج المحلي للصين والهند. ومن المرجح أن يكون 6.6 تريليونات دولار من تلك الزيادة مصدره زيادة في الإنتاجية نتيجة الاستخدام المكثف لتقنيات الذكاء الاصطناعي، و9.1 تريليونات دولار من الآثار الجانبية للاستهلاك.
أما نسبة الزيادة في الناتج المحلي الإجمالي في الاقتصادات المحلية بفضل الذكاء الاصطناعي فستصل إلى 26 في المئة بعد سبعة أعوام من الآن، وأكبر المكاسب الاقتصادية المحققة من استخدامه ستكون في الصين بنسبة 26 في المئة يليها أمريكا الشمالية بنسبة 14.5 في المئة.
لا شك في أن تلك الأرقام مذهلة، وتشير إلى أننا نقف أمام البوابة الرئيسة لمغارة علي بابا وما تحتويه من كنوز. لكن السؤال هو ما كلمة السر لتفتح لنا مغارة الأحلام أبوابها؟ كلمة السر باختصار الاستثمار ثم الاستثمار ثم مزيد من الاستثمار، تلك هي كلمة السر التي لم تعد خافية على أحد، التي بات كل من المستثمرين والشركات والحكومات التي تخطط أن تكون لها كلمة في صنع المستقبل، مدركين أنها المفتاح الذي سيسمح لهم بالولوج إلى عالم المستقبل.. عالم الذكاء الاصطناعي.
يقول الخبير الاقتصادي أنس نغنغ حول الاستثمار في تقنيات التجول الرقمي: شركة البيانات الدولية IDC هي المزود الأول عالمياً لمعلومات السوق والخدمات الاستشارية الخاصة بتكنولوجيا المعلومات والاتصالات وأسواق تكنولوجيا المواصلات، وفي آذار الماضي قدرت أن الإنفاق العالمي على الأنظمة التي تركز على الذكاء الاصطناعي سيصل إلى 154 مليار دولار هذا العام، بزيادة قدرها 26.9 في المئة عن العام الماضي، وسيؤدي الدمج المستمر للذكاء الاصطناعي في مجموعة واسعة من المنتجات إلى تحقيق معدل نمو سنوي مركب يبلغ 27 في المئة بين عامي 2022 – 2026، وبحلول 2026 يتوقع أن يتجاوز الإنفاق على الأنظمة التي تركز على الذكاء الاصطناعي 300 مليار دولار.
وكما يبدو فإنّ “القطاعين اللذين سيقدمان أكبر استثمارات في الذكاء الاصطناعي هذا العام هما القطاع المصرفي وقطاع تجارة التجزئة، ثم الخدمات ويأتي لاحقاً قطاع التصنيع. تلك القطاعات الأربعة معاً تتضمن أكثر من نصف إجمالي الإنفاق على الأنظمة التي تركز على الذكاء الاصطناعي”.
ومن منظور جغرافي ستكون الولايات المتحدة أكبر سوق للأنظمة التي تركز على الذكاء الاصطناعي، حيث ستمثل أكثر من 50 في المئة من إجمالي الإنفاق في جميع أنحاء العالم، وأوروبا الغربية ستمثل 20 في المئة من الإنفاق العالمي على تكنولوجيا المعلومات بمعدل نمو سنوي مركب لمدة خمسة أعوام بنسبة 30 في المئة، وستحتل الصين المرتبة الثالثة كأكبر سوق للذكاء الاصطناعي”.
وقد ارتفع مستوى الاستثمار في الذكاء الاصطناعي دولياً جنباً إلى جنب مع زيادة الاعتماد عليه، فقبل خمسة أعوام أفاد 40 في المئة من رؤساء مجالس إدارات الشركات التي تستخدم الذكاء الاصطناعي بأن 5 في المئة من ميزانياتهم الرقمية ذهبت إلى الذكاء الاصطناعي. والعام الماضي أفاد أكثر من 50 في المئة من المديرين التنفيذيين بأن أكثر من 5 في المئة من ميزانياتهم الرقمية يذهب الآن للاستثمار في تقنيات الذكاء الاصطناعي، بينما قال 63 في المئة منهم إنهم يتوقعون زيادة استثمار مؤسساتهم في هذا المجال في الأعوام الثلاثة المقبلة”.
ويضيف نغنغ: حسب التقارير الواردة تبدو الجاذبية الاستثمارية لقطاع الذكاء الاصطناعي أكثر وضوحاً عند تقدير التدفقات المالية التي تضخ في الشركات الناشئة التي تعمل في هذا المجال، فارتفاع معدلات التضخم العالمية والزيادة المتواصلة في أسعار الفائدة، توجد أجواء غير مشجعة لرؤوس الأموال الراغبة في الاستثمار، وتمتد تلك الأجواء السلبية بطبيعة الحال إلى الاستثمار في المجالات المختلفة للذكاء الاصطناعي، وبالفعل فقد تراجعت وتيرة الاستثمارات المتدفقة إلى مجال تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي العام الماضي، ومع ذلك لا تزال الشركات الناشئة في هذا المجال نطاقاً استثمارياً ذا جاذبية خاصة.
وتسارعت طفرة الاستثمار بعد إطلاق شركة open AI في أواخر تشرين الثاني الماضي لتطبيق “جي بي تشات”، وقد أعلنت شركة جلوبال داتا أن شركات الذكاء الاصطناعي الناشئة أفلحت في جمع أكثر من 50 مليار دولار من تمويل رأس المال الاستثماري في العام الماضي.
وتفيد التقارير البحثية بهذا المجال بأنه كيف استحوذ التقدم السريع في مجال الذكاء الاصطناعي على اهتمام مستثمري رأس المال الاستثماري على مستوى العالم، وحصلت 3198 شركة ناشئة على تمويل بقيمة 52.1 مليار دولار عبر 3396 صفقة تمويل رأسمالية خلال 2022″.
من هذا المنطلق يبدو أن للقطاع العام حتى الآن دوراً ضئيلاً يقوم به في هذا المجال الإستراتيجي، لكن هذا لا ينفي أن السياسات الحكومية سواء تعلقت بالبحث والتطوير، أم بتوزيع ميزانية التعليم على الفروع التعليمية المختلفة، أو مواجهة الاحتكار، خاصة لدى شركات التكنولوجيا العملاقة، وكذلك التعاقدات الحكومية، كل تلك السياسات تصنع فارقاً كبيراً بين النمو والركود في صناعة الذكاء الاصطناعي.
وفي هذا السياق، فإنّ السياسة الناجحة تتطلب الوعي التام بالظروف، وهذا يتطلب فهم أبعاد النشاط التجاري لشركات الذكاء الاصطناعي ومن يمول الصناعة وما المشكلات الحقيقية التي تحاول الشركات حلها، ومن ثم دور الحكومات هنا يجب أن ينصب على تسهيل الطريق أمام القطاع الخاص لضخ مزيد من الاستثمارات في الصناعة”.
وفي الواقع فإنّ دور كل من القطاع الخاص والاستثمارات الخاصة المتدفقة على صناعة الذكاء الاصطناعي يعد من الركائز الأساسية لتطوير الصناعة، ومع هذا ستظل هناك حاجة دائمة إلى توجيه وإرشاد لهذا المجال الإستراتيجي، فقيادة القطاع الخاص للذكاء الاصطناعي قد تعني أن الربحية قد تعلو على ما عداها من احتياجات وقيم عامة في أغلب الأحيان، وقد يصعب قبول المجتمعات والحكومات بذلك في ظل الأهمية المستقبلية للذكاء الاصطناعي ليس في المجال الاقتصادي فقط، وإنما في تعزيز قدرة البشر على الابتكار والتقدم.