تأليفُ الكتب بضغطة زرٍّ وتخريب الفنون بدعوى التطوّر
تشرين- هدى قدور:
نشرت إحدى وسائل الإعلام العربية نبأ القبض على أحد السحرة المشعوذين بعد عمليات نصب كبيرة قام بها في المدينة، بينما كان الذكاء الاصطناعي في بقية أنحاء العالم يخطو خطوات سريعة ومخيفة، والجميع مشغولون بتفسير الاحتمالات التي يمكن أن تحدث في المرحلة القادمة، وهل سيؤدي ذلك إلى فناء الجنس البشري وغيرها من الأسئلة!.
في بعض المناطق العربية هرع بعض الكتاب الطامحين إلى الشهرة إلى تأليف الكتب عبر تقنية الذكاء الاصطناعي، وفي الحقيقة لم تكن تلك المؤلفات سوى تجميع للمعلومات عبر شبكة الإنترنت، ولا تضيف أي شيء للثقافة أو العلم أو الأدب.
المفارقات كبيرة بالنسبة للمشهد العربي الذي يعاني اضمحلالاً ثقافياً واستهلاكاً حضارياً وسطحية تطول كل شيء تقريباً، فمن المتوقع أن يزيد الذكاء الاصطناعي من نسبة الفنانين التشكيليين والمسرحيين والسينمائيين والشعراء والروائيين الذين سيتصورون أن الذكاء الاصطناعي سيتولى مهمة تقديمهم إلى الفضاء الفني بطريقة محترفة تفرض نفسها على النقاد والقراء معاً، مع أن الأمر في حقيقته لن يفضي إلا إلى مزيد من السطحية وانتهاك الثقافة وافتتاح محالّ كثيرة من الألبسة المستعملة في الفنون.
بإمكان الباحث اليوم أن يعثر على «مولد نص مجاني» في شبكة الإنترنت، وسيجد عناوين مثيرة أكثر مثل «تأليف كتاب بضغطة زر» و«أفضل التطبيقات لتأليف رواية»، وهذا لا يبدو غريباً، فقد سبق لبعض المؤلفين أن اعتمدوا على «الويكبيديا» وأخذوا نصوصاً كاملة منها ونسوا أن يحذفوا الإشارات إلى الهوامش والمراجع في النص المأخوذ، فظهرت الفضيحة بأعلى صورها في ذلك الوقت. القضية خطرة ولا يقدر حجمها أولئك المتعاملون مع الذكاء الاصطناعي وكأنه تطبيق «واتس أب»، فالمتوقع في المرحلة القادمة ليس حصول موجات كبيرة تشبه التسوماني لتدمير الثقافة والأدب والفنون فحسب، بل صعود جيش كامل من المؤلفين والفنانين وصناع المحتوى الذين لن يتوانوا عن فعل أي شيء من أجل الدخول إلى السوق وكسب المال والجمهور، لأن العملية بالنسبة إليهم ليست سوى صفقة أو مشروع تجاري.
لاشك في أن اتجاه البشرية نحو الرقمنة والأتمتة في كل شيء يرفع من احتمالات غياب الإنسانية والجوانب الإبداعية، رغم السهولة التي تقدمها برامج الكمبيوتر للناس في أعمالهم، لكن تجفيف بحيرات الإبداع وتحويلها إلى مستنقعات آسنة، ستكون من النتائج الأولى للاستخدام الرديء لهذه التقنيات التي لا يمكن ضبطها أو قوننتها بالشكل المطلوب، خاصة فيما يخص المجال الإبداعي والتأليف والرسم والموسيقا، وتالياً نحن اليوم أمام اكتساح لمؤلفين جدد مزودين «بأكواد» وشيفرات ونصوص باردة مسبوكة في قوالب الآلات الجاهزة، وفي هذه الموجة الجديدة سيترحم الناس على مساوىء السنين الأولى لانتشار الإنترنت لأن القادم أعظم بكثير!.