كوميدياه شكلت اتجاهاً في الدراما السورية.. (شيخ الكار) هشام شربتجي يُسجّل توقيعه الأخير
تشرين- علي الرّاعي:
(شيخ الكار)؛ يكاد يُجمع على هذه الصفة الكتّاب والفنانون الذين ينعون المخرج هشام شربتجي (1948 – 2023) – الذي غادر دنيانا اليوم –هذه الصفة، التي تبدو من سمات هذا (المعلم).. والحقيقة أن تأكيد “مشيخة” الكار لهذا الفنان تُجانب الصواب كثيراً، وتشهد عليها أعمال شكلت نمطاً أو قل اتجاهاً في مشهد الكوميديا السورية، وليس بعيداً عما اشتغله الفنان شربتجي خلال مسيرته الفنية الطويلة، والمفعمة بعشرات الأعمال الدرامية.. شربتجي الذي وضع بصمته الواضحة في مشهد الدراما السورية، كأحد علاماتها الفارقة، لاسيما في مجال هو – بنظري- يُشكّلُ تحديّاً إبداعياً، وأقصد بذلك (الكوميديا) التي هي من أصعب الفنون، وهي اختبار حقيقي لإمكانية أي مبدع في مجال الدراما، ويُمكنني القول إن المساحة التي وفرها شربتجي للسيناريست ممدوح حمادة شكلت ميداناً للتدريب لما سيقدمه لاحقاً وفيما بعد، عندما أوصل الأخير الكوميديا السورية إلى الذروة مع مسلسلي (ضيعة ضايعة والخربة)، وذلك في سلسلة (عائلة النجوم)، التي طالما زرعت البسمة على وجوه السوريين والعرب، وهم الذين لا يضحكون حتى للرغيف الساخن، حيث النوائب من جهاتهم الست..
من هنا يأتي تأكيد زملاء شربتجي على (المعلمية) التي ميزت شغله الإبداعي: “لترقد روحك بسلام .. وداعا شيخ الكار”، كما تنعي الفنانة روبين عيسى، وقريباً منها زميلها الفنان باسم ياخور بقولهما : “وداعاً ياصانع الضحكة، وداعاً يا صانع الدراما، وداعاً يا معلم المهنة، وشيخ كارها، وداعاً هشام شربتجي.. وكل العزاء للسيدة رشا شربتجي والصديق يزن شربتجي وأيمن شربتجي ولعائلة الفقيد رحمه الله واسكنه فسيح جناته .”.. وهو مقارباً لما سجله بدوره الفنان عارف الطويل: “رحم الله شيخ الكار المخرج المخضرم هشام شربتجي لروحك السلام والأثر الذي تركته في الدراما السورية سيظل محفوراً في الذاكرة”.
وشيخ الكار الذي لُقب به الراحل هشام شربتجي، بعد أن تكرمت له الحياة بخمسٍ وسبعين سنة؛ التي كانت كافية لأن يضع للدراما السورية أعمدتها العالية، ولتنهض بمداميكها الجمالية القوية، وفي سجله أنه حاصل على بكالوريوس أكاديمية الفنون (المعهد العالي للفنون المسرحية) القاهرة، بعدها سافر إلى ألمانيا حيث أكمل دراسته.. وهو والد المخرجة رشا شربتجي التي تعلمت منه الدرس الجمالي على أكمل وجه لتفارقه بنهجٍ تراجيدي مُختلف، وإن كان الاثنان يشتركان في طرح قضايا الناس، لاسيما هموم ساكني القاع بأعمالٍ شكلت صوتاً لمن لا صوت لهم..
ففي الكوميديا؛ باكراً أطلق مع الفنان ياسر العظمة سلسلة (المرايا) الشهيرة.. مرايا ابتداءً من مرايا (84)، ثم مرايا (86 و 88)، ومن ثم ليُتابع سلسلة أخرى قريبة منها هي سلسلة (عائلة النجوم).. ومن ثم لتصبح أو تشكّل هذه السلاسل نمطاً في الكوميديا السورية جربها الكثيرون بعده لاسيما في سلسلة (بقعة ضوء)، ومؤخراً (ببساطة)، والكثير من المُشابهات الأخرى.. وهو ما دفع بسيناريست مثل شادي كيوان لأن يكتب: “لقد شاءت المصادفة أن أذكرك البارحة عدة مراتٍ في لقاءٍ إذاعي، وأن أشكرك كثيراً وكأنني كنت أريد أن أعبّر عن امتناني مرة أخرى وأخيرة للقدر الذي وضع عملي الأول بين يديك.. وهكذا أجد شكري ودعائي لك البارحة يصبحُ وكأنه رثاءُ اليوم ..” ويُضيف: هشام شربتجي صانع الفرجة والدهشة والابتسامة ، لروحك الرحمة ولنا فيما تركت العزاء، للأعزاء والأساتذة رشا ويزن وأغيد وأمجد وللعائلة الكريمة خالص الصبر والعزاء..”.
صحيح أن الكوميديا التي أسسها الراحل هشام شربتجي وشركاه، جاءت تالية لما قدمه الفنان دريد لحام وشركاه أيضاً، غير أنها جاءت في زمن الكوميديا الأول، بل وحتى زمن الدراما السورية في مواسمها المبكرة، وهنا لابد سيخطر لذهن الكثيرين العملين الرائعين اللذين كانا أو شكلا واسطة عقد الكوميديا السورية، وأقصد (يوميات مدير عام، ويوميات جميل وهناء).. ربما من هنا يكتب السيناريست رامي كوسا: “هذا الرجل كان مقامراً شجاعاً حد الاحترام، لعب كالبهلوان بين أنواع درامية كثيرة.. قدم فرجة مدهشة في يوميات مدير عام، وكانت النتيجة عملاً ما زلنا نشاهده، في كل مناسبة، منذ ١٩٩٥ حتى يومنا هذا.”، ويُضيف: مخرج “أيامنا الحلوة”، و”رجال تحت الطربوش”، و”المفتاح” رحل تاركاً وراءه إرثاً يحقُّ لنا، كسوريين بخاصة، أن نفخر به ونقول وعلى وجوهنا ابتسامة واسعة: المخرج السوري هشام شربتجي.. ألف رحمة لك وسلام.