إلى متى تبقى آثارنا رهينة لمصالح العقاريين وداعميهم؟.. «ساروجة» يستغيث الهمم الوطنية.. هويتنا مستهدفة فهل يصحو المعنيون بالآثار؟
تشرين- ابتسام المغربي:
مجدداً تبرز قضية الحي العريق الذي يلقب بإسطنبول الصغرى… ساروجا….
ليس مقبولاً أن يتم تعقيد مشكلة الحفاظ على الحي وهي حق لدمشق وآثارها وتراثها؟ في حين يتفانى الجميع بمفاصل كثيرة وقضاء وآثار لإيجاد حل للعقاريين الذين ساهموا بتشويه هوية دمشق؟
هل من المعقول أن تقف الثقافة ومديرية آثارها متفرجة على هذا الواقع الذي يشكل قضية استثنائية يجب أن تتجند للحفاظ عليها وانتصارها لكل الجهود والإدارات…. فالمنطقة تم تنظيمها بمخطط تخريبي لهوية دمشق في بداية السبعينيات من القرن الماضي وسرعان ما اشترى العقاريون المتعاملون مع مكاتب التنظيم العقارات تمهيداً لهدمها. ولكنّ جهوداً كبيرة وخبراء وطنيين وقفوا في وجه هذه المجزرة واستطاعوا إيقاف المخطط… ولكن كل فترة تستيقظ قدرات ومصالح العقاريين ويحركون القضية..؟ رغم أنهم قاموا بشراء العقارات بأبخس الأثمان.؟ يحركهم المال وأرباحه؟. ورغم وجود عقارات مسجلة أثرياً بالمنطقة ورغم تسجيل الحي كله أثرياً؟
ما زالت رغبة ارتفاع الأبراج في ساروجة ناراً تتأجج لدى العقاريين الذين نتمنى أن يحاسبوا على ما شوهوا في العاصمة الأقدم بالتاريخ…
انتصروا في إلغاء التسجيل الأثري للسوق العتيق
ربما يحق لدى الطامعين استيقاظ رغباتهم، فحين يتم إلغاء تسجيل منطقة أثرية شهد تسجيلها حرباً بين منتفعين ومتنفذين وعقاريين وإعلام ومحافظة….. وذلك من أجل تشييد فندق سياحي لمتنفذين….. وعقارات ارتفع برجاً منها في حرم حمام القرماني الذي تم الحفاظ عليه ولكن ورقياً لأن ما يجري فيه حالياً لا تعلم حتى مديرية الآثار حجم التشويه… ولا تطلع على الترميم وكيف يتم؟ المهم أن ندقق في البرج الملاصق للحمام؟.. والذي بني وفق حكم قضائي. نستغرب تأثيره على المحافظة ومخالفة الارتفاع للحمام المسجل…. والواقع يؤكد أن سوق العتيق وأبنيته التي كانت وتم هدمها في الليل تحسباً. للحفاظ على الأبنية والأقواس المملوكية التي تم كشفها.؟
موجع ما يحدث ولكن الأمل كبير، ففي لقاء مع أساتذة العمارة والسيد محافظ دمشق طارق كريشاتي أكد السيد المحافظ على الحفاظ على الحي وإيجاد الحل الذي يضمن بقاء ساروجة وترميمه….
سجال حامٍ
النقاش الذي جرى بين الدكتور عبد الرزاق معاذ وبين الأستاذ المهندس خالد الفحام رئيس جمعية “سوريون من أجل التراث المعماري” حول موضوع حي ساروجة الذي وضع على نار حامية حالياً، حيث يرى معاذ الإشكالية الكبرى تكمن في وجود مادة قانونية تمنع إعادة النظر في المخططات، على الرغم من وجود مادة قانونية تقول إن أي مخطط تنظيمي مدة صلاحيته لا تتجاوز 15 عاماً وإن لم ينفذ جزئياً أو كلياً فهذا يعود لمشكلات فيه وفي مدى صلاحيته… ويشكل ساروجة مشروعاً وطنياً يجب أن تتكافل الجهات كافة للانتصار لحمايته. ومنذ سنوات طويلة تم إمهال مديرية الآثار مدة لإيجاد حل قانوني. وكان الحل المقدم أن يعدّ الحي شركةً لكل طرف منها أسهم ولم يلقَ هذا الحل القبول لدى مجلس الوزراء.
المركزية تستيقظ
وبعد فترة وأثناء عمل معاذ مديراً للآثار وجد على طاولته محضر اجتماع عن ساروجة أو قرار بإعدام ساروجة وقّع عليه كثيرون من مدير الآثار الذي كان مكلفاً إلى عميد كلية العمارة وكل الجهات المعنية وبدأت قصة أخرى مع هذا الحي مختلفة عن الأولى التي عمل فيها كباحث، وكان يبحث عن إيجاد طرق لإيقاف الهدم… ويؤكد معاذ أهم النقاط التي تم تحقيقها هو تسجيل ساروجة كمنطقة أثرية في محضر اجتماع وقّعت عليه أربع وزارات والمحافظة.. وبمتابعة الجهود تم تسجيل ساروجة عندما كان معاوناً لوزير الثقافة لشؤون الآثار في اجتماع حضره بالإضافة للثقافة وزير السياحة و وزير الإسكان ومعاون وزير الإدارة المحلية والمحافظة ممثلة بغسان نويلاتي ووقّعوا جميعاً على قرار التسجيل بعد اجتماع عاصف باركه فيما بعد المحافظ…
ويؤكد معاذ أنه لا مستحيل وكل شيء ممكن وأخبره رئيس مجلس الدولة آنذاك بأنه عندما نعرف ما هو التوجه ممكن أن نجد حلاً. والحل كان دائماً برأي الدكتور معاذ ورأي الدكتور سعد الله جبور يكمن في تعديل المادة التي تمنع إعادة التنظيم ولكن جاء أحد وزراء الثقافة، الذي لم ينصف التراث السوري والثقافة وهو رياض نعسان آغا، وبدأ يلغي في قرارات التسجيل، فألغى قرار تسجيل جزيرة أرواد وألغى قرار تسجيل منطقة سوق العتيق في اجتماع عاصف، أعلن الدكتور معاذ فيه بأن هذا المجلس أصبح فاقداً للشرعية وترك الوزارة على إثر هذا الاجتماع وعاد إلى التدريس بهارفارد.
تأكيد الخلل والإصرار على التخريب
ويرى المهندس خالد فحام أنه مستغرب أن يتحكم وزير الثقافة آنذاك برأي مجلس الآثار وهذا يبرهن أن المركزية ما زالت تفرض نفسها وتلغي مبدأ التشاركية والاحترام لكل الأعضاء الممثلين لجهات معنية أخرى.
إنّ وجود القرار بأثرية مبنى أو موقع يعني أنه لا يجرؤ أحد على إلغاء الأثرية لأنها أصبحت ملكاً وحقاً للإنسان السوري ولكل البشرية جمعاء لأن التراث ليس ملكاً لمكان وإذا أساء أصحاب المكان للتراث فيجب محاسبتهم بقوة الحق للبشرية جمعاء..بالنسبة لحي ساروجة التاريخي فهو مكتسب الصفة الأثرية لكونه جزءاً لا يتجزأ من نسيج المدينة القديمة ضمن السور وكان فصله عن الأصل الأم خطيئة تاريخية تدين من ارتكبها ولو أنهم انفلتوا عن العقاب بسبب منظومة فساد تحمي المخربين لمقومات البلد الثقافية وغيرها.
وقرار إعادة صفته الأثرية تعدّ إعادة الحق بالحماية للحي وهو إدانة لمن تركوه فريسة لفساد الأوصياء عليه من مدير الآثار في السبعينيات والمحافظة وكل المشاركين المعنيين وحتى الصادقين والجادين بحماية التراث وهم من يقع على عاتقهم وضع الجهود الاستثنائية والعظيمة لمواجهة العبثية بالتراث من قبل المعنيين ومحاولة التغيير في الوضع المشين بتخريب هوية دمشق التاريخية.
تفاصيل معركة الحفاظ
تقول الدكتورة ناديا خوست أن دمشق داخل السور أعلنت محمية بتوجيهات عليا، تأسيساً على ذلك ألغي مخطط إيكوشار ووضعت لجنة تألفت من ممثل عن كلية العمارة، وممثل عن الأوقاف، وممثل عن اتحاد الكتاب، وممثل عن مديرية الآثار، وممثل واحد عن محافظة دمشق، نظاماً خاصاً للبناء داخل السور اعتمد المخطط الكادسترائي مخططاً تنظيمياً.
في سنة 1987 أوقف محافظ دمشق السيد غسان الحلبي تنفيذ مخطط سوق ساروجة.
وفي 11/11/1987 أوصى مجلس الشعب بتسجيل قاعة بيت الكباريتي في سوق ساروجة، حارة القرماني.
في 7/12/1987 بحث مجلس الشعب حماية الأحياء العربية خارج السور ونشرت الصحف أن المجلس أوصى بالحفاظ على ما بقي من حي سوق ساروجة وذكر الحارات فيه، وبحماية الأحياء العربية خارج السور، وطيّ مخطط إيكوشار، واستردت المدرسة الشامية عملياً مئذنتها وجزءاً من باحتها التي جعلها مخطط إيكوشار موقفاً للسيارات.
في 30/1/1989 اجتمع رئيس مجلس الشعب بالمهتمين بحماية الهوية المعمارية وبحث معهم مسألة حماية الأحياء العربية خارج السور. وحضر الاجتماع كل المعنيين بالثقافة وأعضاء من مديرية الآثار، وممثل اتحاد الكتاب ونقيب الفنانين التشكيليين، وممثل عن وزارة السياحة، ونواب دمشق.
وفي 1/2/1989 افتتحت كلية العمارة معرضاً في صالة الشعب، عن سوق ساروجة قدمت فيه دراستها المعمارية والسكنية والاجتماعية عن حي سوق ساروجة، وعرضت ثلاثة مجسمات أحدها بيّن وضع الحي الراهن، والثاني بيّن ما سيكون مكان الحي إذا نفذ المخطط الذي تعتمده محافظة دمشق، والثالث اقتراح كلية العمارة: حماية الحي وبناء ما هدم منه بطراز عربي.
كانت بقية حي سوق ساروجة الذي شقه مخطط إيكوشار بشارع سيارات، ودمر أكبر بيوته وأجملها، مثل بيت المرادي وبيت سبح، مهددة بضغط عقاري لأنها تقع في ملامسة المدينة الحديثة. فسعينا إلى حمايتها، وزارت اللجنة الثقافية في مجلس المحافظة بيت القلطقجي، في حارة قولي، وكان سليماً، بني بحجر البازلت.
ودرست مجموعات معمارية سورية وفرنسية، مع كلية العمارة حالة الحي وأبنيته وقصوره وزاره ممثل اليونيسكو، وأصدر مجلس الشعب توصياته بالحفاظ على الحي.
ورغم الاهتمام والتوجيه من جهات عليا بتصفية الملفات القديمة.
لم تفهم محافظة دمشق منه أنها يجب أن تلغي صفحة التنظيم الإيكوشارية غير المنفذة، وتعيد الصفحة العقارية للحي الموجود في الواقع. وترجم تجار العقارات ذلك في مصلحتهم. فكاد حيّ سوق ساروجة يهدم في ليلة مظلمة، لولا اعتراض الكتّاب والفنانين والإعلام..
التاريخ يشهد
ليس معقولاً أن تكون مصالح العقاريين أقوى من حماية النسيج العمراني القديم والقصور الجميلة والأبنية المسجلة؟ وهل مديرية الآثار غاب عنها الاختصاص والمتابعة لتصل آثارنا الى هذا الإهمال؟.. كيف تم بناء برج ملاصق لحمام القرماني المسجل؟. وكيف يتم تشويه الحمام بهذا الشكل والآثار غائبة…؟ هل من المعقول أن يكون العقاريون أقوى من مجلس الشعب ومن الإدارات كلها؟؟
ولمَ التراخي بتكديس التراكمات للإيحاء باستحالة الحل؟.
إنها معركة الحق والحقوق والحفاظ على الهوية
مهما قوي العقاريون وتكدست مؤثراتهم لن ينتصروا… ولا بد من إعلان حل نهائي لوضع الحي وإعلان حمايته….
متفائلون بمحافظ دمشق الذي يتخذ قرارات جريئة حماية لدمشق وتاريخها… ومتفائلون بكل من ينتصر لدمشق الهوية والتراث….