ثروة تعادل النفط تبخرت إلى النصف بسبب التهريب.. و”الجمارك” تتحفظ على الرد وبيان الموقف!
تشرين – بادية الونوس:
يعدّ التهريب ثاني العوامل التي أدّت إلى استنزاف الثروة الغنمية بعد الحرب، وخاصة في المناطق الحدودية، حيث الحدود الممتدة لمئات الكيلومترات، ومن الصعب ضبطها في هذه الظروف. ففي المنطقة الشرقية، على سبيل المثال، تهرّب رؤوس القطعان عبر سماسرة وأشخاص معروفين، لتذهب إلى دول الجوار مثل العراق وتركيا والدفع بـ(الدولار)، أي مبلغ مغرٍ جداً للمربي. ووفق مدير الإنتاج الحيواني تناقصت الأعداد إلى أقل من ١٧ مليون رأس، وفق إحصاءات مكتبية وتقارير منظمات دولية .
وأمام هذا الواقع يؤكد المعنيون أنه يتم التنسيق مع الجهات المعنية من الجمارك وغيرها للتقليل والحدّ منه، من خلال توثيق الأعداد وتغريم المربي في حال نقصان القطيع وغير ذلك .
تهريب الأغنام ثاني عوامل استنزاف الثروة الحيوانية بعد الحرب.. والدفع بالدولار
نحاول في هذا الموضوع تسليط الضوء على هذه التفاصيل .
تلميح
عند طرح السؤال على المعنيين حاولنا أن يكون بالعموميات عن تراجع هذه الثروة والأسباب، وعند طرح سؤال التهريب يتحوّل الحديث إلى التلميح عند البعض والتهرّب من الإجابة، والبعض الآخر لم يخفِ هذا الموضوع، علماً أن هذا الموضوع موجود قبل الحرب وبعدها بهدف الربح.
الحسكة نموذجاً
في المنطقة الشرقية، ولاسيما محافظة الحسكة، تنشط حركة التهريب بشكل كبير بسبب الظروف الأمنية السائدة، حيث تمتدّ الحدود المفتوحة مئات الكيلومترات مع دول الجوار (العراق، تركيا). ويؤكد عبد الحميد كركو رئيس اتحاد الفلاحين في المحافظة أن الأغنام تهرّب يومياً إلى دول الجوار، عن طريق شبكات وسماسرة والدفع بالدولار، مبيناً أن التهريب هو من الأسباب التي أدت إلى تراجع الثروة الغنمية بشكل كبير، لتأتي الأسباب الثانية من غلاء الأعلاف، حيث وصل سعر طن الشعير إلى ثلاثة وحتى أربعة ملايين ليرة، وكذلك طن التبن ستة ملايين. ناهيك بغلاء الأدوية البيطرية بسبب صعوبة إيصالها عن طريق وزارة الزراعة، الأمر الذي يجبر المربي على بيع جزء من قطيعه لتأمين مستلزمات تربية ما تبقى منه .
لابدّ من التنسيق مع الجمارك
للاتحاد العام للفلاحين دوره، وخاصة أنه يعدّ جهة مدافعة عن الفلاح والمربي، إذ يؤكد عماد عبد الرحيم مدير مكتب الثروة الحيوانية أنه لا يمكن مكافحة تهريب الأغنام من دون التنسيق مع الجمارك، مشيراً إلى أنه تم في إحدى المرات حجز أكثر من خمسين رأساً وتغريم مالكها .
«الزراعة»: يتم التنسيق مع الجهات المعنية للحدّ من التهريب وإجراءات جديدة
وأضاف: توجد لجنة مؤلفة من الجهات المعنية (جمارك وزراعة واتحاد فلاحين)، مهمتها وضع ضوابط تمنع التهريب والتأكيد على تكليف الجمارك تنظيم بيانات جمركية مع ضرورة إرفاق وثائق نقل للمربين، على سبيل المثال في حال أراد المربي نقل قطيعه من منطقة إلى أخرى يحتاج إلى وثائق حيازة، وفي حال نفوق عدد من الرؤوس أثناء التنقل تؤلّف لجنة من طبيب بيطري لإثبات كيفية نفوق هذه الماشية .
وبيّن عبد الرحيم أن الاتحاد يطالب وزارة الزراعة بإجراء إحصاء شامل لأعداد الثروة الحيوانية، علماً أن بعض المناطق من الصعب الوصول إليها، مشيراً إلى أنه يتم العمل حالياً على إحداث صندوق التأمين على الماشية، وسيتم تفعيله قريباً على أرض الواقع، بدءاً من الأبقار ومن ثم الأغنام، على أن يعوّض المربي عن كامل قيمة البقرة أو ما فقده من الأغنام شريطة إثبات ذلك، وهذا الموضوع يحتاج إلى سلسلة من الندوات والمحاضرات لنشر الثقافة والتوعية بأهمية التأمين.
الإحصائيات مكتبية
لا يخفى على أحد تراجع الثروة الحيوانية لأسباب باتت معروفة للجميع. وعن آخر إحصائية يتحدّث مدير الإنتاج الحيواني في وزارة الزراعة د. أسامة حمود أن آخر إحصائية لوزارة الزراعة كانت في عام ٢٠١٠، وتالياً كل الإحصائيات التي تتم حالياً هي مكتبية تعتمد على معدلات نمو قطعان الثروة الحيوانية سنوياً، وبناء على الجولات الإحصائية لكل عام. ووفق الإحصائيات الرسمية بلغت أعداد الأغنام أقل من ١٧ مليون رأس، والأبقار ٨٧٠ ألف رأس.
وفيما يتعلق بالأسباب التي أدت إلى انخفاض قطيع الثروة الحيوانية، يبيّن د. حمود أنه لا توجد نسب دقيقة لانخفاضها، باستثناء بعض الدراسات التي أجريت بين عامي 2010 -2016 من بعض المنظمات الدولية العاملة في سورية، والتي أشارت في بعضها إلى انخفاض أعداد هذه الثروة بين ٣٠ و٥٠ % حسب الأنواع الحيوانية، وهذا يعود إلى جملة عوامل – وفق مدير الإنتاج الحيواني – باتت معروفة للجميع، منها الحرب التي تقف في مقدمة الأسباب، حيث أدت إلى تدمير البنى التحتية والمزارع ومنشآت تربية الحيوانات، ومن ثم جاء موضوع الغلاء العالمي لأسعار الأعلاف، فهناك ارتفاع عالمي لهذه الأسعار، ليس في سورية فقط، وإنما في كل بلدان العالم، لكن الوطأة تكون في سورية أكبر بسبب الحصار الاقتصادي والعقوبات المفروضة على سورية، وبالتالي فإن وقع الغلاء العالمي للأسعار يكون مضاعفاً بالنسبة لسورية، وهذا الأمر دفع الكثير من المربين أحياناً إلى بيع جزء من قطعانهم لتربية الجزء الآخر، إضافة إلى عملية التهريب .
ترقيم القطيع
كيف يمكن مكافحة هذه الظاهرة؟ يشير مدير الثروة الحيوانية إلى أن هناك تنسيقاً دائماً مع إدارة الجمارك العامة للحدّ من هذه الظاهرة، على سبيل المثال في مواسم الرعي تم الاتفاق مع إدارة الجمارك العامة على أن يتم ترقيم الحيوانات أثناء الرعي، وبالتالي تعود الأرقام نفسها مع الحيوانات إلى المناطق التي خرجت منها، أيضاً هناك تدقيق في موضوع أن تكون هناك وثيقة نقل للحيوانات مع كل القطعان التي تتحرك بين المحافظات، لكن مع ذلك لا تزال هناك حاجة إلى التشدّد أكثر بظاهرة تهريب الثروة الحيوانية .
تحذير
الباحث والخبير في الشؤون الزراعية أكرم عفيف يدق ناقوس الخطر لخطورة تبعات هذا الوضع، الذي أدى إلى عجز أغلبية الناس عن تأمين الحد الأدنى من احتياجات ماشيتهم، بدليل انخفاض الطلب على منتجات هذا القطاع ككل. وهذا ما حذّر منه كثيرون، لأننا أولاً وأخيراً بلد زراعي وفيه الكثير من الخيرات يتحوّل إلى بلد من دون موارد، بالتأكيد ستكون نتائجه كارثيّة لمصلحة حفنة من المستوردين.
خبير: غلاء تكاليف ومستلزمات الإنتاج يقف وراء التهريب وانخفاض الأعداد
ويشير عفيف إلى أن هناك أسباباً عدة أدّت إلى تراجع هذه الثروة، منها التهريب والتصدير والذبح العشوائي، وكلّها ترتبط بعامل رئيس هو غلاء تكاليف ومستلزمات الإنتاج، الأمر الذي يجبر المربي على بيع أو تهريب جزء من قطيعه لتأمين الأعلاف للقطعان المتبقية، مؤكداً ضرورة توفير مستلزمات ديمومة هذا القطاع، والأهم إعادة النظر بالسياسة الاقتصادية المتبعة.
الجمارك لا تجيب!
يبدو أن متلازمة (مين دفعك, مين دفعلك) هي التي تتحكم في الذهنية التي تتحكّم في بعض الإدارات، على سبيل المثال مديرية الجمارك العامة التي تواصلنا معها عبر المكتب الصحفي، وأرسلنا أسئلتنا البسيطة التي تتمحور حول :
-الضوابط التي اتخذتها الجمارك لمنع تهريب الأغنام؟
– عدد حالات تهريب الأغنام التي تم ضبطها خلال الفترة الأخيرة؟
– كيف يتم التنسيق مع “الزراعة” واتحاد الفلاحين للحدّ من هذه الظاهرة؟
إلا أنها ورغم اتصالاتنا المتكررة منذ أسابيع وإلى هذا التاريخ لم تجب !
أخيراً
لا بد لنا من التساؤل: لماذا لا يحوّل التهريب إلى تصدير وتستفيد الدولة من القطع الأجنبي الذي يعود لخزينتها وفي هذه الحالة نحدّ من التهريب، وبموازاة ذلك التركيز على هذا القطاع الذي يعدّ الداعم الأساس لصمودنا وأمننا الغذائي .