شيء من الخير باقٍ.. ما بعد الزلزال يكشف عن ملامح غير ظاهرة للتكافل الاجتماعي 

تشرين- سراب علي:

كان لحدوث كارثة الزلزال في عدة محافظات صدى كبير، لناحية كبر الكارثة والمفقودين من ناحية التكافل الاجتماعي، الذي ظهر جلياً وواضحاً بمختلف جوانبه المعنوية والروحية والمادية وحتى الأدبية، حيث تكاتف الجميع بالإرشاد والدعم لتقديم الرعاية الاجتماعية والصحية، ولا يزال حتى اليوم و بعد مرور شهرين مستمراً، حيث يتابع الأفراد والجمعيات الأهلية مبادراتهم الأهلية والمجتمعية كل حسب إمكاناته.

مشهد التكافل الاجتماعي لا يمكن نسيانه أو تجاهله أو تغييبه لأنه في الأصل كان حاضراً، حتى في الأحوال العادية الخالية من أي كارثة أو زلزال، ولكن لم يكن واضحاً أو ملموساً، يمكننا القول: إنه كان خجولاً إلى حدٍّ ما بسبب ضعف الإمكانات الاقتصادية والدعم.

كان ومازال موجوداً

وهذا ما أكدته الأستاذ المساعد في قسم علم الاجتماع في جامعة تشرين، الدكتورة هند العقيبة في حديثها لـ ” تشرين” ، حيث أشارت إلى أن التكافل الاجتماعي موجود دائماً بين أفراد المجتمع وبكل أشكاله، ولكن حالاته الفردية أكثر من الجماعية، والتكافل لا يتوقف على موضوع مادي ( أدوية و أغذية .. )، بل يمكن في كثير من الأحيان أن يكون معنوياً، فقد يتشارك الناس الحزن والفرح والألم و الكلمة الطيبة، وعدم ظهوره ووضوحه سابقاً مما هو عليه اليوم، لأن الحالات التي احتاجت للمساعدة بعد كارثة الزلزال كانت كثيرة ومصابها كبير، ورأينا تضحية الكثيرين بوقتهم و جهدهم في سبيل دعم من تضرر وتوحدت الآلام و المصائب، واليوم النكبة كبيرة على الناس وكان هناك دافع كبير لدى الناس للمساعدة.

أستاذة جامعية : حالاته الفردية أكثر من الجماعية في الأحوال العادية

وترى د. العقيبة أن دعم الناس لبعضهم و لهفتهم على بعض موجود دائماً، و هذا مستمر بين الناس، فأهل الخير موجودون، ولكن هناك حالات معينة في المجتمع كحالات التشرد والأيتام والمسنين تحتاج تكاتف الجهود الحكومية مع المجتمع المحلي، لأن العمل الأولي دائماً عند أي كارثة أو أزمة يكون على المستوى الفردي و المجتمعي، ووجود الجهات الحكومية يأتي تباعاً، وأحياناً يكون محدوداً في أماكن معينة.

وأضافت: اليوم ورغم الوضع الاقتصادي الصعب نرى أنه يتم تقاسم “اللقمة” بين الناس، ويجب أن نتذكر دائماً أن هناك أناساً عندهم عزة نفس لا تطلب المساعدة، وتتلقى الدعم والمساعدة من بعض الأشخاص والجيران بشكل غير علني، ولفتت إلى أننا يجب ألّا ننتظر المصائب لتكون الدافع لهذا التكافل العلني الواضح، فالخير موجود دائماً في نفوس الأشخاص.

موجود قبل الأزمة والزلزال

تشاركها الرأي رئيس مجلس جمعية “كبارنا ” المهندسة سميحة عجيل وتؤكد في حديثها لـ” تشرين” أنه رغم الوضع الاقتصادي الصعب الذي يعانيه المجتمع، لم يتوقف تكافل وتعاضد أبناء المجتمع، وخصوصاً بعد حدوث الزلزال الذي ضرب المحافظة، فقد كان المجتمع المحلي بأفراده وجمعياته سباقاً للمساعدة وتقديم الدعم، رغم قلته قبل أن تصل المساعدات من المحافظات ومن الخارج.

باحثة في القضايا التربوية والنفسية: الكارثة كانت حافزاً حقيقياً لنعيش التكافل الاجتماعي بأبهى صوره

و أشارت إلى تضاعف إحساس الناس ببعضها في الزلزال، لأن المصيبة والمتضررين كانوا كثيرين، ولا يزال التكافل مستمراً بكل أشكاله حتى اليوم، ولو كان ضعيفاً عما كان عليه في الأيام الأولى للزلزال، وترى عجيل أن التكافل الاجتماعي يقوى أكثر في الشدائد، حيث إن الشدائد جعلت المجتمع أكثر تماسكاً ولا يمكننا أن نقول إن التكافل الاجتماعي غاب قبل الأزمة و الكارثة، فهو موجود حيث إن الجمعيات الأهلية والمجتمعية تتابع دورها المجتمعي بتقديم الدعم ومساعدة المحتاجين على امتداد المحافظة في الأوقات العادية، وحسب إمكانات كل منها وليس بالضرورة أن يكون ذلك بشكل علني، وعمل الخير لا ينتظر أن يراه الجميع .

عشناه بكل أشكاله منذ القديم

من جهتها بينت الباحثة في القضايا التربوية والنفسية الدكتورة سلوى شعبان أننا في سورية تعودنا العيش ضمن هذا المجتمع الدافىء بصورته المتلونة والجميلة، بما تحتويه من محبة و وئام ومشاركة في كل شيء، فالجار للجار في السراء والضراء، والصديق أخ وشقيق بكل معنى الكلمة في حالات السلم والحرب والكوارث، ولعلّ كارثة الزلزال كانت البرهان، لذلك عشنا هذا المفهوم ومارسناه فعلاً وقولاً، ومن فقد بيته وماله فُتحت له بيوت لتأويه، ومن شعر بالحاجة وجد من يقدم له كل ما يلزمه من احتياجات ومستلزمات ودواء وإغاثة.

وكانت الكارثة حسب شعبان حافزاً حقيقياً ودافعاً قوياً لنعيش التكافل الاجتماعي بأبهى صوره أمام العالم أجمع، وبالرغم من القلة والحصار الاقتصادي الذي نعيشه، والغلاء وارتفاع أسعار المواد التموينية، فالطبقة الغنية و”المرتاحة مادياً” قدمت وتقدم حتى الآن ما تستطيع تقديمه لأبناء البلد من معارف وأهل وجيران، وبشعور الواجب والحق لهؤلاء تقدم الغذاء واللباس والدواء ومبالغ مادية شهرية للكثير من العائلات لتستطيع تدبير حالها.

ولا تستغرب د. شعبان ذلك، لأننا تربينا على هذه الصور، وعشنا التكافل بأشكال متنوعة تدعو للمحبة والتآزر، فكنا نرى أهالينا ومنذ سنوات بعيدة يقدمون مما يملكون ويزرعون ويصنعون لمن لا حيلة لهم ولا عين.

ولم تتوقف على حدوث كارثةٍ أو حربٍ أو زلزال، بل مستمرة باسم الخير والمحبة والتعاضد الإنساني والأخوة، التي لم تفرقها ظروف وويلات ومكائد حاولت النيل منها.

و أشارت شعبان إلى أن هناك مؤسسات وشركات وجمعيات بمسمياتها المختلفة ساهمت بشكل كبير ضمن إطار التكافل والمساعدة، والذي هو أهم عنوان لأعمالها ومشروعها الإنساني والوطني، ونجزم أن الخير باقٍ ومستمر بيننا، وأن المحبة لن تفقدها القلوب والأرواح الطيبة، وأن التكافل الاجتماعي نعمة وخلق كريم، جاءت به الديانات السماوية جمعاء، لما فيه من دعم ومساندة وحياة للجميع.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار