نمطيّة النجم الدراميّ واستهلاك الموهبة!
تشرين-هدى قدور:
مشكلة خطرة تعانيها الدراما، وتتعلق بانتشار نمطية النجم ضمن دور محدد لا يغادره رغم تعدد المسلسلات التي يشارك فيها، وربما يكون هذا المطب استهلك الكثير من مواهب النجوم السوريين، وجعلهم لا يظهرون إبداعاتهم الحقيقية نتيجة اقتصارهم على لون معين من الدراما، مثل البطل في دراما الفانتازيا، أو القبضاي في دراما الحارة الشامية، أو رئيس العصابة في دراما الأكشن. قد يرجع ذلك إلى شركات الإنتاج التي تضطر للالتزام بالنوع الناجح من الأعمال والأدوار، فتحرص على تكراره على أمل حصد إعجابات الجمهور وإقبال المحطات على شراء العمل نتيجة نجاحه جماهيرياً. الكل يعلم أن الكثير من أبطال المسلسلات الشامية القديمة اضطروا إلى المشاركة في أجزاء متسلسلة من الأعمال الدرامية رغم خلوها من أي جديد، وكان السبب في ذلك هو نجاحها جماهيرياً وتسويقياً، أي إن المسألة مرتبطة بالمردود المالي والإعلامي.
نستطيع الحديث عن نجوم التصقت بهم أدوار معينة ولم يغادروها مطلقاً، رغم قناعتنا بامتلاكهم مواهب كبيرة تخولهم لتأدية أدوار جديدة ومختلفة عن أدوارهم المعتادة. بالتأكيد، حُرم الجمهور من متعة اكتشاف ألوان جديدة عند أولئك النجوم، لكن للأسف، انطلى الأمر على النجم الذي يحرص على حضوره كل موسم رمضاني حتى ولو كان الأمر على حساب تجربته ورصيده الإبداعي، لأن النقاد في النهاية لن يتحدثوا عن كمية الأموال التي ربحها الفنان، بل عن الأثر الإبداعي الذي تركه في أعماله الدرامية، وهذا للأسف بات غير متوفر عند العديد من النجوم الذين يحتلون الشاشة اليوم.
قد يقول الممثل إن ما يناسبه هو هذا النوع من الأدوار، ولذلك فهو يقتصر عليها، لكن هذا الكلام لا يبدو صحيحاً، خاصة بالنسبة لمهنة التمثيل التي تتطلب مهارات في تأدية جميع أنواع الشخصيات وعدم الاقتصار على لون واحد لأنه «بيّاع» عند المحطات. صحيح أن شركات الإنتاج تتحمل الكثير من المسؤولية عن انتشار هذه الظاهرة، لكن الفنان يتحمل العبء الأكبر، لأن الأثر السلبي ينعكس على موهبته ورصيده الفني في النهاية حتى لو تذرع بالعامل المادي الذي يدفعه لقبول تكرار الأدوار من باب قلة الفرص وندرتها في هذه المرحلة، لكن لابد من الأخذ في الحسبان أن الحصول على دور ولو ثانوي بجانب الدور المفروض نتيجة الاعتبارات التي تحدثنا عنها، لابد سيظهر إمكانات الفنان ويزج به لاكتشاف فضاءات أخرى غير نمطية بلون الحارة الشامية أو العصابة أو بقية الألوان الأخرى التي يتم اليوم استهلاكها بشكل كبير.
في فترة ما، ساد بطل الفانتازيا، فصرنا نستغرب لاحقاً أن نرى بعض النجوم في أدوار الدراما الاجتماعية الواقعية، بل إن بعضهم احتاج وقتاً طويلاً حتى تمكن من مغادرة العباءة الفانتازية ولبس العباءة المناسبة للون الاجتماعي الواقعي، وذلك مرده بالطبع إلى كثرة التكرار في اللون نفسه الذي جعل النجم يقع في مطب التنميط والسير باتجاه واحد من الأداء. من المؤكد أن شركات الإنتاج لن تكون مشغولة بمصلحة النجم وما يناسب تجربته الإبداعية وتطور الشخصية الفنية، وهذا أمر طبيعي، لكن غير الطبيعي، أن يتورط النجم بتخريب موهبته عبر التكرار واستهلاك إمكاناته في مجال واحد كنوع من الاطمئنان، مع أن خيارات التجريب يمكن أن تحمل الكثير من الفائدة بالنسبة إليه مادياً ومعنوياً.
لم نشأ أن نذكر أسماء بعينها، لكي لا نفسد للود قضية، لكن من باب حرصنا على نجومنا واحترامنا لتجربتهم، نتمنى أن تؤخذ هذه المسألة في الحسبان، فهذا يصب في النهاية ضمن مصلحة الدراما السورية وتميزها على المستوى العربي والعالمي.