هل التفوّقُ مسوغٌ لسحق الضعيف؟!
تشرين-حنان علي:
استعراض (الباشا نورس) لثقافة التمييز بين البشر في أوائل حلقات مسلسل (الزند) الذي يتناول الصراع الطبقي بين الإقطاعيين ذوي المال والسلطة من جهة و طبقة الفلاحين المستضعفين من جهة أخرى، استحضر أمامي بعضاً من الأفكار العنصرية والاضطهاد المكرّسة في مجتمعاتٍ مختلفة عبر العصور .
عدت بذاكرتي لما قرأته عن صامويل جورج مورتون مؤسس«المدرسة الأمريكية» الذي تبنّى ما يسمى بالإثنوغرافيا الوصفية ، لوصف الأعراق البشرية في عصر ما قبل الحرب الأهلية الأمريكية عام 1861 زاعماً أن الفروقات بين البشر ناجمة عن اختلاف الأنواع البشرية، لتمسي بالنسبة للكثيرين منبعاً للعنصرية العلمية.. فقد اعتقد مورتون أن حجم الجمجمة يحدد القدرة الفكرية للإنسان، داعماً الفكرة القائلة بالتراتبية العرقية، إذ وضع القوقازيين في قمة الدرجات مميزاً إياهم « بأعلى مداخيل فكرية» بينما وصف السكان الأصليين لأمريكا بـ« الهائجين الميالين للانتقام، مشعلي الحروب»، في حين نعت الأفارقة بـ «المبتهجين، الكسولين; ممن يمثل الأقل ذكاء منهم أدنى درجات الإنسانية».
أما عبارة «عبء الرجل الأبيض»، فلم تكن أقل عنصرية مما سبقها حين نوهت بالواجبات المنوطة بالرجال البيض ودورهم في نهضة المجتمعات الأقل تطوراً التي تنتمي إليها الأعراق الأخرى نظراً لتفوقهم العرقي .
لوم الضحية
كما لم تتوان الروائية والفيلسوفة الروسية آين راند بدورها عن الترويج لفلسفة الأنانية التي وصفتها بالفلسفة «الموضوعانية» لتبرير القوة وسحق الضعيف في روايتها «أطلس يتململ» (١٩٥٧)، إذ عكست «مفهوم الإنسان ككيان بطولي، والهدف الأخلاقي لحياته مقتصر على سعادته الخاصة، أما العقل فالمبدأ المطلق الوحيد لديه» فإذا افتقد شخص ما لمال أو لقوة، فهذا نتيجة مقتصرة على فشله وخياراته الخاطئة.
احتقار الفقير
أما الفقر فشأنٌ تمايزت التصورات عنه حسب اختلاف الأزمنة والمجتمعات، المحكومة بالثقافة السائدة ومستوى التطور الاقتصادي وطبيعة التنظيم الاجتماعي والسياسي.. أبرزها ازدراء العوز والإدانة الصريحة للفقراء .. «تجنب الفقراء وعاملهم كمجرمين» هذا ما قاله الرومان جامعين بين الوضاعة والعوز بالقول: «الفقر يجعل الإنسان حقيراً». أما الإيطاليون فقد حرموا الفقير من مناصريه بالقول «ليس للفقراء أقرباء». كما شبه الهولنديون الرجل من دون المال كالسفينة من دون شراع.. بينما أكد الفرنسيون: أن «الفقر ابن الخطيئة». وكغيرهم من الغربيين يؤكد الإسبان أن «الفقر ليس خطيئة، بل هو فرع من فروع الفجور». أما البرتغاليون فجردوا الفقير من مشاعر الحب بقولهم : « الفقير لا يحسن العشق..» احتقار الفقراء لم ينج من الأمريكيين بدورهم، وقد أتى مثاله على لسان رئيسهم الراحل بنجامين فرانكلين: «الفقر يحرم الإنسان من كل الفضائل، فمن الصعب على حقيبة فارغة أن تقف شامخة» !! و قبل منتهى الحديث نذكر قول الإمام علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه في إحدى مأثوراته: «المال يستر رذيلة الأغنياء، والفقر يغطي فضيلة الفقراء» . أما الفقر فليس بخطيئة وإنما الخطيئة إهانة الغني للآخرين كما رآه دوستويفسكي . «لا تحتقر ذا فاقة فلربمــــــــا لقيت به شهماً يبر على المثــــــــرى، فرب فقير يملأ القلب حكمــــــة ورب غني لا يريش ولا يبـــــــــرى»، على ما يرى الشاعر محمود سامي البارودي .
بينما مسك ختامنا مع أمنية الأمام علي بن أبي طالب الذي قال: «لو كان الفقر رجلاً لقتلته..»..