«مِسْك» للكاتبة ريما الغفير… تجربةٌ أُولى تحتفي بالحبِّ وحده

تشرين-لبنى شاكر:
أنْ تُثير تجربةٌ أدبيةٌ أُولى، أسئلةً وإشكالياتٍ مُتباينة، فهذه بدايةٌ تُحسب لها، ولاسيما في زمنٍ اختلّت فيه موازين النشر، وتشعّبت مقاييس التقييم مع تغيّر أساليب الكتابة التي أحدثتها بطبيعة الحال المنابر الجديدة، إلى جانب النزوع الواضح بلا مُواربة نحو إدانة الكثير مما عُدّ سابقاً قواعد وثوابت لا يُمكن الحياد عنها، فكيف إذا اتجهت هذه التجربة، نحو عالم الرواية، النوع الذي ظلّ بعيداً إلى حدٍّ ما عن التباس التجديد مُقارنةً بالشعر والقصة القصيرة، وفي الوقت نفسه، الميدان حيث يُحكَم على المقدرة عادةً بِلا هوادة، والحديث هنا عن «مِسْك» باكورة أعمال الكاتبة ريما بكري الغفير، والصادرة عن دار دلمون الجديدة.
تحتفي الرواية بالحب، أجل بالحب وحده، وتُعيد قارئها نحو أعمالٍ أدبيةٍ وفنيةٍ، كانت حكايةُ اثنين موضوعاً لها، حتى إنها تتناسى الحرب بمآسيها وفواجعها، وتذهب بها إلى أكثر أشكال الاختزال، لتجعل منها سبباً لإصابةٍ جسديّةٍ، لا تلبث أن تختفي، هكذا، تكتسب «مِسْك» جماليتها، بأن تدفعك لِتنفُر وتغضب وتتساءل، إذا ما خالفت الحكاية مسارها المُتوقع بالنهاية السعيدة التي نتمنى دائماً أن تنتهي إليها قصص الحب، ولهذا السبب أيضاً، بدت الرواية في بعض أحداثها، مثاليةً، بشكلٍ مُبالغٍ فيه، حتى إنها ألزمت شخصياتها بمبادئ وقيمٍ صارمة، في حين أن الحياة لطالما أثبتت، صعوبة السير على خطٍ واحد بالوتيرة نفسها ، وهو ما يفسح مجالاً للشخصيات لتتطور، وتتخذ قرارتها عن إرادة ووعي.
المثالية حضرت كذلك في أسماء أبطالها الثلاثة الرئيسيين، ولربما كان بإمكان الغفير الاشتغال أكثر في هذه الناحية، فالشابة التي تُصر على أن تكون أخلاقية مع حبيبها ووالدها وصديقتها، ومن ثم مع زوجها، اسمها «مِسْك»، والشاب الثري والناجح، ومحط أنظار السيدات والفتيات «أكمل»، بينما نظيره المُفتقِر لأي مقومات الحضور والمنبوذ من محيطه بسبب قباحة شكله «صبر»، وكأنّ الكاتبة تُوجز حيوات الثلاثة ومصائرهم بأسمائهم، وهذا ما يندر تحققه، ومن ثم فهي تُلزِمهم مُجدداً، بالانصياع لِما يجب أن يحدث، لا ما يُمكن حدوثه، رغم محاولاتها إظهار ما يعيشونه من تناقضات، لا تلبث أن تُحسَم لمصلحة ما تُوجبه الأنفس الراضية والقانعة بما سيأتي به القدر.
تتعرّف «مِسْك» على «أكمل» عن طريق صديقتها «فدوى»، وتنشأ بينهما قصة حبٍّ، تتفنن الغفير في توصيفها، لكن الشاب يختفي مع إصابة الفتاة بشظايا قذيفة، تحتاج معها كليةّ جديدة، يتبرع بها شابٌ يُدعى«صبر»، ومع الغياب غير المفهوم ورغبة العائلة برد الجميل للمُنقِذ، تتزوج منه الفتاة، لِنعرف لاحقاً أن الشابين أبناء عمومة، ولم يكن مصادفة لقاء أيٍّ منهما بـ «مِسْك»، إضافة إلى أن ثروةً هائلة تمتلكها عائلتها، كانت السبب في تقرّب الشابين اللذين أحبّاها فعلاً، وعلى كثرة المفاجآت ومُحاولات إحداث انقلاباتٍ في السيرورة العامة، يبقى الحب كما تحكيه الكاتبة بدفء انبعاثه الأول ووقع حضوره، السِمة الأجمل والأبرز للرواية.
تُقسّم الغفير روايتها إلى ستة فصولٍ بعناوين تُلخّص مضامينها، وتسمح للقارئ بالانتقال مع صوت الراوي إلى أمكنةٍ وأزمنةٍ عدة، وتُبالغ مراتٍ في تنميق مُفرداتها وزركشتها، كما تستسلم أحياناً لشيءٍ من تمجيد اللغة، غير أنها في نهاية الرواية تنتصر للحب الذي مَنحته قُدسية البداية، وتُرضي رغبة القرّاء بالتقاء «مِسْك» و«أكمل»، تقول الكاتبة على لسان البطلة: «لا إيثار في الحب ولا أسبقية، لا رهان ولا شروط، الحب لا يقبل الاتجار ولا التبرع ولا يخضع لقوانين المادة، هو روحٌ بحت وهو دمغةٌ أبدية، تَعِس من عقد قلبه على الحب ثم حَنَثْ، وخَابَ من احتفى بالحب دون حبيب».

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار