التكافل يتفاعل
ما إن سُمع باب المنزل يطرق حتى سارع الابن الأكبر في الأسرة ليرى من في الخارج.. نظر أمامه ثم التفت يمنةً ويسرةً فلم يجد في المدى أحداً، تبادر لذهنه أن أحد أولاد الجيران فعلها من باب “الولدنه” واللهو، لكن ما إن همّ بالعودة ورفت عيناه للأسفل حتى كانت المفاجأة السارّة، حيث شاهد سلة مواد غذائية تحتوي على بعضٍ من متطلبات وجبات شهر رمضان الفضيل .. حينها أدرك أن فاعل خير وضعها وغادر من دون أن يلفت انتباه أحد.
الواقعة ما هي إلّا توصيف لإحدى حالات التكافل والتعاضد الاجتماعي التي بدأت تتفاعل وتتسع بشكل كبير في مجتمعنا في ظل الظروف المعيشية الصعبة التي نمرّ بها، ومن مثلها أن أهل الحي كثيراً ما يذهبون لجلب الخبز من المعتمد، فلا يقبض لقاءه ثمناً لأن أحد الخيرين قد تكفل بسداد قيمته ليوم أو أيام، حتى إنه في بعض البلدات هناك من سدد قيمة الخبز كاملاً عن الأهالي طوال الشهر المبارك، فيما خصص بعض الميسورين مساعدات مالية لإعانة الأسرّ الأشد فقراً على تلبية متطلباتها.
أيضاً هناك أطباء أعلنوا معاينة المرضى خلال الشهر المبارك أو في أيام محددة منه بالمجان، كما عممت صيدليات على وسائل التواصل الاجتماعي عزمها بيع أدوية الأمراض المزمنة من دون أي أرباح، فيما تصدى الكثير من أهل الخير لتكاليف عمليات جراحية للعديد من الفقراء، وكذلك أعلنت شركات بولمان عن تخفيض أجورها بين درعا ودمشق بنسب تفوق الستين بالمئة لتخفيف الأعباء عن طلبة الجامعات والموظفين وغيرهم.
ليست أقل أهمية مبادرات المجتمع المحلي في عدة بلدات من الريف الشرقي والممتدة على مدار العام الدراسي، والتي تستهدف تحمل أجور نقل الكادر التدريسي القادم من مناطق أخرى، وحتى دعم بعض تلك المبادرات لرواتب المدرسين بمبالغ مادية محفزة على تحسين جودة التعليم.
إنّ العوز يتزايد بشكل كبير في مجتمعنا في ظل انخفاض الدخل وتضخم الأسعار، ويأتي التعاضد والتكاتف المجتمعي كأحد العوامل المهمة للمساهمة في التخفيف من وطأة الفقر وضنك العيش، وهو ما ينبغي العمل على تفعيله وتحفيزه وتيسيره كضرورة ملحة لا يتقدم عليها شيء آخر، وذلك سواءً من خلال المبادرات الفردية أو الجمعيات الأهلية التي تصب بغايات إنسانية جليلة.