في يومه العالميّ.. (أبو الفنون) الذي بقي بلا ذاكرةٍ!!
تشرين- علي الرّاعي:
«إن ما نقوم به في عالم المسرح كمؤلفين ومخرجين وممثلين وسينوغرافيين وشعراء وموسيقيين ومصممي كوريوجرافيا وحتى كتقنيين وفنيين، كلنا بلا استثناء، إنما هو فعلٌ لإيجاد حياة لم تكن موجودة من قبل أن نعتلي خشبة المسرح.. هذه الحياة تستحق يداً حانية تتعهدها وصدراً حنوناً يحتضنها وقلباً حانياً يأتلف معها وعقلاً رزيناً يوفر لها ما تحتاجه من أسباب الاستمرار والبقاء».
ما تقدم؛ هو بعضُ ما سيتردد في مختلف مسارح العالم مساء هذا اليوم، من كلمة يوم المسرح العالمي، وهو ما تمّ تكليف كتابتها للفنانة المصرية سميحة أيوب.
اليوم، الذي يُصادف فيه الاحتفال بـ(يوم المسرح العالمي).. كل الفنون تقريباً؛ لها أرشيفها الذي هو بمنزلة ذاكرة، يُمكن للمهتم بهذا الفن أو ذاك أن يسحب أدراج هذه الذاكرة لغاية بحثٍ أو تأريخ، وحتى لمجرد النستالوجيا اللذيذة.. ثمة من أطلق يوماً على السينما «فن الخلود» في إشارةٍ إلى أنّ الفيلم السينمائي؛ هو من يُخلد صانعيه، وهو أيضاً يُسجل لحظة تاريخية إبداعية يُمكن الرجوع إليها، والاستمتاع بها بالشغف القديم ذاته ، وربما يفوقه بعد أن تكون قد فعلت الذاكرة فعلها من الحنين.. الكتاب الذي يضم بين دفتيه شتى أنواع الإبداع من معارف وروايات وشعر وقصص وملاحم؛ يوضع على رفٍّ قريب يُمكن تناوله متى أراد الراغب في ذلك.
أبو الفنون
وحده «أبو الفنون- المسرح» الذي بقيت عروضه من دون أرشيف، ومن ثمّ بلا ذاكرة، أو هي على الأقل بذاكرة ناقصة، فما يُمكن الاحتفاظ به من العرض المسرحي، رغم تعدد وكثرة عناصره من ديكور، فن الممثلين – الحوار، الإضاءة والموسيقا، والإخراج؛ يذهب كل ذلك أدراج النسيان، ويبقى فقط النص، لأن ليس من ذاكرة أو أرشيف لحفظ البقية.. بل وحتى نصوص اليوم، فالكثير منها غير موثق أو مدون في كتاب، ولاسيما تلك النصوص التي كتبت لتُمسرح على الخشبة فقط.. إلى اليوم – على سبيل المثال- لا نعلم كيف تمّ تجسيد نص مسرحية «هاملت» أول مرة، أو في زمن شكسبير، ولا «عُطيل» أيضاً، ومثلهما آلاف العروض المسرحية التي لم نعرف عنها شيئاً إلا عبر نصها المسرحي.
من الخشبة إلى الشاشة
منذ مدة أمست بعيدة اليوم؛ ثمة من حاول نقل العروض المسرحية من الخشبة إلى الشاشة، تحديداً تصوير العروض المسرحية، وإعادة إخراجها تلفزيونياً.. ومن هنا يرى الكثيرون أن تصوير العروض المسرحية تلفزيونياً، قد يُحقق خطوات باتجاه تعريف الجمهور بالمسرح، وبالعروض المسرحية التي تشغل الصالات بعيداً عن جمهور يتوق لحضورها، أو أن بث العرض تلفزيونياً؛ قد يخلق جمهوراً مسرحياً محتملاً، وإن كان باتجاه الصورة التلفزيونية الممسرحة، والتجارب في مثل أمر كهذا كثيرة.
فمن باب الترويج للمسرح، تقوم بعض المحطات التلفزيونية ببث عروض مسرحية مصورة لكن الحقيقة أنّ ثمة أكثر من رأي تجاه تصوير المسرحيات تلفزيونياً، وحسب أسباب الفنان السوري غسان مسعود صاحب الباع الأطول في فنون المسرح وتفاصيله، يقول إنه ضد تصوير أي مسرحية وعرضها مصورة؛ لأن المسرحية – حسب تقديره – مجرد أن تُصوّر تتحول إلى مادة باردة، والمسرح بطبيعته مادة ساخنة، ويستمد شرعيّة وجوده من كونه مادة ساخنة وحيّة، وهذا هو سر عدم انهزامه أمام الحداثة المتواصلة.. على العكس من رأي مسعود، فإن المخرج المسرحي – والذي في رصيده أكثر من عشرة عروض مسرحية – وأقصد الفنان مأمون الخطيب، يقول: أنا مع تصوير العروض المسرحية؛ على الأقل لإبقائها كأرشيف مسرحي للأيام والأجيال القادمة، ولأنّ المسرح معدوم في الكثير من المُحافظات السورية، ومن ثم فالتصوير التلفزيوني يُعدّ في هذه الحالة فرصة ليتلقى جمهور هذه المحافظات فكرة ما عما يحدث في مسرح العاصمة؛ رغم خصوصية الرأي الذي يقول: إنّ حضور العرض المسرحي؛ يُشكّل نصف القيمة لوجود هذه المسرحية، لأنّ المسرح هو تواصل مُباشر بين الجمهور والقائمين على العمل المسرحي بكل جوانبه، حتى إن الخطيب مع نشر العروض المسرحية وبثها على مواقع التواصل الاجتماعي، لأنه في رأيه هو الحل الأمثل اليوم لنقل الثقافة المسرحية ونشرها جماهيرياً.. بل يراها وسيلة مهمة جداً لنشر مختلف أنواع الفنون، لأننا أولاً وأخيراً نحن أبناء هذه المرحلة من ثورة الاتصالات الرقمية، وعلينا استثمارها بالشكل الأمثل لنشر أنواع الفنون كلها ولنشر الثقافة بشكلٍ عام.
دريد وعادل إذاً لولا العرض التلفزيوني لما عرف العالم العربي كله مسرحيات الفنان السوري دريد لحام ومسرحيات الفنان المصري عادل إمام، تلك العروض التي عرّفت الملايين في الجغرافيا العربية على «شيء اسمه المسرح» ولنعترف أيضاً بأن أغلب العروض المسرحية الأخرى لم تلق مثل هذه المشاهدة الواسعة للعروض المسرحية المصورة تلفزيونياً، ربما قلة من عروض المسرح الكوميدية لبعض الفنانين الآخرين، لكنها ليست بحجم عروض دريد لحام وعادل إمام..
أي إن ذيوع العروض المسرحية المصورة كان أكثر نجاحاً للعروض الكوميدية التي افتقدتها العروض الأخرى. مع ذلك يبقى تصوير العروض المسرحية على أنواعها كوميدية وغيرها مجالاً مناسباً للأرشفة ولاسيما أن العرض المسرحي لا ذاكرة له، فالعرض المسرحي ينتهي مع خروج آخر مشاهد من الصالة، والتصوير مجال مهم للتعريف بالمسرح الذي تخلو صالاته من المشاهدين، ومهم جداً للتعريف بالحركة المسرحية بشكلٍ عام. ويزيد في الأمر انتشاراً بثها على مواقع التواصل الاجتماعي، والتجارب في هذا المجال كثيرة. من هنا نُفسر حزن الناقد المسرحي جوان جان على عروض «مسرح دبابيس» تلك العروض التي كانت تنضوي تحت عنوان «المسرح التجاري» سواء اتفقنا معها أم اختلفنا، والتي بلغت على مدار مواسمها الطويلة أكثر من أربعين عرضاً مسرحياً ذهبت جميعها في مهبّ فقدان الذاكرة.
وأختم مما جاء في كلمة سميحة أيوب في اليوم العالمي للمسرح: «إنها رسالتنا نحن المسرحيين حملة مشعل التنوير منذ أول ظهور لأول ممثل على أول خشبة مسرح؛ أن نكون في طليعة المواجهة لكل ما هو قبيح ودميم ولا إنساني، نواجهه بكل ما هو جميل ونقي وإنساني.. نحن ولا أحد غيرنا.. نمتلك القدرة على بث الحياة، فلنبثها معاً من أجل عالم واحد وإنسانية واحدة».