الإخفاقات المادية تتحول إلى رضوض نفسية داخل الأسر.. والعلاج لا يكون بالندوات والمحاضرات
تشرين-وليد الزعبي:
إنّ صراخهم المشبع بالشتائم في ليالٍ متقاربة بات مألوفاً لمسامع الجيران في الحي، شيء تفهمه وآخر مبهم لتداخل الأصوات المتصارعة، لكن الشيء الأكيد أن ما يحدث هو شجار بين زوجين تقطعت بينهما سبل التعايش ولم يعد يعنيهما لو سمعت كل الدنيا بخلافاتهما، فالمصير لا محالة هو الانفصال.
*ظروف قاسية
تسأل في المحيط ما القصة.. ما الذي يحدث؟ فتأتيك الإجابات استنتاجية من قبيل أن الزوج لم يعد بمقدوره تلبية احتياجات أسرته، فالبيت مستأجر ومتطلبات العيش لا تنتهي فيما الراتب هزيل لا يغطيها، حتى بإضافة الدخل الذي يحصل عليه من عمل آخر بعد دوامه، وهو لقلة حيلته مع هذه الظروف القاسية “يتفشش” ويحاول أن يفرغ غلّه بالانفعال على أولاده وزوجته التي لم تعد تحتمل وطفح بها الكيل من ضيق الحال وصعوبة الحياة وتنمر زوجها، لتتوج المأساة بكلمة “طلقني”.
قسوة الظروف المعيشية عمّقت الخلافات الأسرية وزادت حالات الطلاق
لا شك في أن هذه الواقعة ليست فريدة من نوعها، بل صورة عن حالات مشابهة كثيرة في مجتمعنا، فعندما يدور حديث في أحد الجلسات تنهال الروايات عن تعدد حالات الطلاق، والأسباب متنوعة منها ما هو مماثل لما سبق ومنها ما قد يكون لعدم صبر الزوجة أو تقبلها ضنك العيش الذي طال أمده، حيث تحمّل زوجها المسؤولية وبالتالي تطلب الانفصال لعلّها تجد سعادةً ورغد عيش مع غيره.
*الأبناء ضحية
الأكثر مأساة في الأمر أن الضحية من وراء الطلاق هم الأبناء الذين تفرض عليهم من جراء ذلك حياة ضمن ظروف صعبة مجبولة بكل أشكال المعاناة نتيجة النقص في الاحتياجات ودور الأهل في التنشئة السليمة، ما قد يضرّ بمستقبلهم ويسوقهم للانحراف، وكذلك قد يضر بالمجتمع ككل بفعل سلوكياتهم الضارة بمحيطهم، كما أن الزوجة المطلقة ستكون المتضرر الآخر، فالفرص بالزواج من مطلقة في مجتمعنا محدودة جداً، وبقاؤها تعيل أبناءها يعني أنها ستنوء من شدة ثقل هذا الحمل.
*الأسرة نواة المجتمع
الشيخ أحمد الصيادي مدير أوقاف درعا أشار لـ”تشرين” إلى أن الأسرة هي نواةُ المجتمع، والأساس الذي يقوم عليه البناء؛ فإن صلحت الأسرة، صلح المجتمع بأسره، وإن تفكَّكت أواصر الأسرة وتخلخل بناؤها، أثَّر ذلك سلباً في الأفراد أجمع؛ ومن أجل ذلك اعتنى الإسلام بالأسرة وتقوية أواصر المحبة بين أفرادها، وحمايتها مما يعصف بها ويهدد أركانها، وقد جعل الله الأسرة آيةً باهرة تدل على وحدانيَّته وربوبيته، وبديع صنعه ونظامه، فقال جلَّ جلاله: ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً ﴾
*أسباب الوهن كثيرة
وأضاف الصيادي: إنّ أسباب الوَهَن الذي أصاب أُسَرنا اليوم كثيرة متنوعة، منها غياب الوازع الديني والأخلاقي، وانتشار العادات السيئة المستوردة من ثقافات غير ثقافتنا، وتضييع الحقوق والواجبات التي تترتب على جميع أفراد الأسرة، فلكل واحد من أفراد الأسرة ما له وما عليه من الحقوق والواجبات، ولعلّ سوء استعمال مواقع التواصل الاجتماعي من أكثر الأمور التي زعزعت كيان الأسرة الواحدة وفرّقت شملهم، وكذلك سوء الأوضاع المعيشية انعكس سلباً على التفاهم الأسري إلى غير ذلك من الأسباب المتعددة.
السلبيات خطيرة.. تسرب وتشرد وتسول وعمالة أطفال والأكثر خطورة تعاطي المخدرات
*تخطي العقبات
وبيّن أن أهمية مراكز الإصلاح الأسري عظيمة، لما فيها من زيادة تماسك الأسرة، ومساعدتها على حلّ مشاكلها، وإكسابها القدرة على التعامل مع الواقع الأسري بعقلانية وطرق علمية صحيحة، من أجل تخطي العقبات والعوائق التي تعترض مسيرة الأسرة، للوصول في نهاية المطاف إلى برّ الأمان.
*تقريب وجهات النظر
ومن جهته ذكر المحامي ماهر المقداد رئيس فرع نقابة المحامين في درعا، أن الهدف من مركز الإصلاح الأسري هو محاولة حلّ الخلافات وتجاوز ضياع الوقت الطويل والتكاليف المادية من جراء اللجوء إلى المحاكم، إذ إنه عند حدوث خلاف بين الزوجين ولجوئهما للمحاكم وتسجيل الدعوى ستأخذ وقتاً طويلاً وتكاليف مادية قد لا يتحملها الكثيرون فتشكل عبئاً ثقيلاً عليهما.
وأضاف: لا شك في أن وجود مركز إصلاح أسري يقرّب من وجهات النظر بين الطرفين إيجاباً أو سلباً فإمّا أن يعود الزوجان لبعضهما وهو ما يتم العمل عليه بالدرجة الأولى إن كان هناك مجال لذلك، أو يتم تسريع عملية الانفصال بينهما من دون أي ردات فعل سلبية أو تشوية للطرفين، أي أنه يجري التركيز على الحفاظ على خيط الود بين الطرفين وخصوصاً عند وجود أبناء، لأنه عند اللجوء للمحاكم وخصوصاً الشرعية أي الدعاوى الشرعية قد يكيد أحدهما للطرف الآخر ويزعجه، ويمكن القول: إنّ وجود مركز للإصلاح الأسري يعني مركز إصلاح ذات البين بين الطرفين.
*زادت كثيراً
بدورها ذكرت المحامية نجود خليل رئيس فرع جمعية تنظيم الأسرة السورية في درعا لـ”تشرين” أنه من خلال عملها بالمحاماة والجمعية تسنى لها اطلاع واسع على الكثير من حالات الطلاق التي زادت بشكل كبير بعد الحرب وحدث شرخ اجتماعي نتيجة الأحداث والتفكك الأسري، وأفرز حالات سلبية دخيلة على مجتمعنا، معظمها بحاجة لدعم نفسي وهو ما يتم العمل عليه بجمعية تنظيم الأسرة بالتعاون مع الجمعيات المهتمة والمجتمع المحلي ودُور الإراءة.
الغائب رغم أهميته.. مراكز الإصلاح الأسري.. فهل يطول انتظارها؟
وتطرقت إلى أن التفكك الأسري وحالات الطلاق تشكلان عبئاً على المجتمع والدولة في آنٍ معاً، حيث تحتاج التبعات الناجمة عنهما إلى متابعة، ولاسيما حالات الأطفال المشردين والمتسربين وكذلك حالات عمالة الأطفال وتسولهم والأخطر من ذلك هو مواجهة انتشار تعاطي المخدرات وغيرها مما يطول شرحه.
*محاولة إيجاد الحلول
وأهمية إحداث مراكز إصلاح أسري تنبع من كونه يتيح تحويل بعض حالات الطلاق لتلك المراكز التي يمكن أن تضم نخبة من الاختصاصيين بالقانون والدعم النفسي والطبي والاجتماعي، وتكون مراكز ذات ثقة مجتمعية، فتقوم بعد تحويل أطراف النزاع للمركز تنظيم لقاءات أسرية بينها وطرح مشكلاتهم والتحاور حولها وتقريب وجهات النظر في محاولة لإيجاد حلول لها، حتى لو كانت مادية من خلال ربط المركز ببعض التبرعات التي يمكن أن تكون سنداً بدعم تلك الأسر المتضررة ولو بجزء بسيط يسهم في تحسين وضعها المادي، وخاصةً أن أغلب حالات الطلاق ناجمة عن تردي الوضع المادي للأسر.
*الدعم مطلوب
وعبّرت خليل عن أملها في ظل الظروف الصعبة التي نمر بها أن يتم تبني هذا المشروع المهم للغاية وتقديم الدعم اللازم له من جهات متعددة مثل “الشؤون الاجتماعية والعمل” بالدرجة الأولى و”العدل” و”الأوقاف” والمجتمع المحلي والجمعيات الخيرية.
*هل من إجراءات؟
بشكل عام ينبغي العمل سريعاً على تحسين الرواتب والأجور للإسهام في بقاء تماسك الأسر المتهالكة من شدة الفقر، توازياً مع أهمية تصويب الاستهداف في برنامج المنظمات والجمعيات غير الحكومية لتصل فعلاً الأسر المستحقة الأكثر عوزاً على أن تتنبه أيضاً إلى تكفل دراسة الأبناء في الجامعات لكون تكاليفها باتت فوق طاقة تحمل الأهل، وقبل هذا وذاك لا بدّ من تبني ودعم إنشاء مراكز إصلاح أسري لتقريب وجهات النظر بين الأزواج وحلّ الخلافات وتحييد الطلاق ما أمكن خاصةً أنه أساس خراب الأسرة.