«تكريزة رمضان» طقس وعادة جميلة مستمرة رغم الظروف الصعبة
تشرين- بشرى سمير:
في الجمعة الأخيرة لشهر شعبان غصت مقاهي ومتنزهات الربوة شأنها شأن كل المتنزهات في دمشق بروادها في إحياء طقس متعارف عليه، رغم الوضع المعيشي الصعب مع قدوم شهر رمضان، ألا وهي «تكريزة رمضان».
محمد النقشبندي الذي قدم مع أسرته وافترش على ضفة النهر بساطاً ووضع عليه بعض الطعام من حواضر المنزل، يبين أنه جاء قبل حلول الشهر الفضيل لزرع الفرحة في قلوب أطفاله بقدوم الشهر، ولترسيخ هذه العادة الجميلة في نفوسهم، مشيراً إلى أنه ليس من الضروري الجلوس في مقهى أو متنزه، حتى تشعر بالسعادة، بأقل التكاليف تستطيع صنع الفرح والمسرة.
عادة متبعة
من جانبها الحاجّة هدى التي جاءت هي وأحفادها أوضحت أن “تكريزة رمضان هي عادة متبعة لدى الأسر الدمشقية، يقومون بها لتوديع شهر شعبان، واستقبال شهر رمضان بفرح وسرور، وأضافت: إنّ الأحوال المعيشية لدى الكثير من الأسر حالت دون إحياء هذا الطقس الجميل، والعادة المحببة لكن مع ذلك للإنسان أن يتدبر أمره، ولو كان ذلك ببعض الأكلات المعدّة في المنزل، مثل الفول والتبولة، وبعض الحلويات للاستمتاع بأجواء الربيع الرائعة، ومشاركة الأسر التي قدمت للمكان فرحاً بقدوم شهر رمضان.
أبو عامر شرف الدين قال: لطالما كانت الربوة وضفاف بردى عموماً المكان المفضل لدى الدمشقيين في عمل التكريزة، التي هي نزهة تقوم بها العائلات في المناطق المطلة على مناظر الخضرة والمياه، لولع أهل الشام بالمياه والخضرة، حيث يتناولون مختلف أنواع الأطعمة, ويمارسون الألعاب الشعبية، مثل الطاولة والبرسيس التي تعد من الألعاب الشعبية التي تفضلها النساء.
وأشار محمد عتمة إلى أن شعبنا محبٌّ للحياة والفرح، ورغم كل الظروف التي مرت علينا ما زلنا قادرين على صناعة الفرح والنهوض من جديد، فلدى الإنسان السوري قدرة عجيبة على التكيف مع مختلف الظروف، وفي حالة الرخاء يجلس في أرقى المطاعم والمقاصف، وفي حالة الضيق يجلس على ضفة النهر مع فنجان شاي أو أركيلة، ويستمتع بجمال الطبيعة التي عزّ نظيرها.
طقوس أيام زمان
يعود الحاج مروان المعلم بذاكرته إلى سنوات بعيدة، ويحكي لنا عن طقوس أيام زمان قائلاً: إنّ تكريزة رمضان عادة مُتوارثة وقديمة من عادات أهل الشام، وتكون قبل يوم أو يومين من شهر رمضان المبارك، حيث اعتاد أصحاب المحال أو الجيران في الحي الخروج مع بعضهم في نزهات و”سيارين” للتشارك فيها وإعداد وتناول وجبات الفطور والغداء والعشاء، فتبقى لهم ذكرى جميلة لرمضان القادم.
وتشير الحاجة نور شعبان إلى أنها مازالت تقوم بتكريزة رمضان هي وزوجها، رغم سفر أولادها وأحفادها، لكنها تصرّ على عمل هذا الطقس الذي تعلمته من والدتها، مضيفة: أرسل الصور لأولادي وأحفادي لتعزيز هذه العادة الجميلة لديهم ولو في بلاد الاغتراب.
وذكر منير كيال المؤرخ للتقاليد الشامية في كتاب “يا شام”، الصادر عام 1984 أن “من عادات الدمشقيين القيام بما يسمى تَكْريزة رمضان، فقبل حلول شهر رمضان بيوم أو يومين، يقومون بسيارين (نزهات) إلى الغوطة الشرقية أو مناطق الربوة والشادروان والمقسم والمنشار والغياض , كما جاء في الكتاب أن الشباب يتحلقون حول شاب تبرع بوصلة غناء من «الميجانا أو العتابا وأبو الزلف», وبعض المنولوجات الشعبية”.
وكان يقوم بـ “تكريزة رمضان” الفقير والغني، ومازالت بعض العائلات في دمشق تقوم بها كنوع من المحافظة على تقاليد الآباء والأجداد، وللتأكيد على صلة الرحم والقربى.
و لم يعرف سبب تسمية “التكريزة” بهذا الاسم، لكنها تبقى توديع شهر شعبان، والاستعداد لاستقبال شهر رمضان، وبهذا فقد قال بعضهم إن معنى “التكريزة” هو الوداع.