السلام البارد والتطبيع المستحيل
تشرين:
كتب السفير الليبي لدى إيران علي العبيدي، مقالاً تحدث فيه عن الاتفاق السعودي – الإيراني، مشيراً فيه إلى أن العلاقات الطبيعية بين إيران والسعودية ستكون إيجابية على مستوى المنطقة ككل وهذا يُقلق الولايات المتحدة وكيان الاحتلال اللَّذينِ يعدّان أن هذه العلاقات كابوساً على مستقبل الكيان.
وقال العبيدي في مقاله تحت عنوان «السلام البارد والتطبيع المستحيل»: يعدّ العاشر من آذار 2023 يوماً تاريخياً مهماً لمستقبل المنطقة، كما انتصار تشرين الثاني 1973، ففي هذا اليوم وقّع أهم بلدين في المنطقة إيران والسعودية اتفاقاً ينص على استئناف العلاقات الدبلوماسية بينهما عبر إعادة فتحِ السفارات والممثليات خلال شهرين، ويؤكد الاتفاق احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونِها الداخلية، مشيراً إلى أن هذا الاتفاق حمل صورة أمنية أكثر منها دبلوماسية لأنه وقّع بين أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي شمخاني، ومستشار الأمن الوطني السعودي مساعد بن محمد العيبان.
ويضيف السفير العبيدي: حسب المعلومات الواردة عن فحوى هذا الاتفاق فإنه مُشابه ومستكمل للاتفاقية الأمنية بين السعودية وإيران التي وقِّعت في الرياض في 16 – 4 – 2001 ووقعها عن الجانـب السعودي وزير الداخلية الأمير الراحل نايف بن عبد العزيـز، وعن الجانـب الإيراني نظيره عبد الواحد موسوي لاري، وجاءت الاتفاقية لتشمل عدداً من مجالات التعاون الأمني، أبرزها:
1 – إنشاء منتدى أمني للحوار الاستراتيجي بين البلدين يهدف إلى رصـد الأخطار المشتركة التي تهدد أمن البلدين وإقامة آلية مشتركة لمواجهة هذه الأخطار.
2 – التعاون في مجال مكافحة الجريمة المنظمة وتزوير الوثائق الرسمية، والإرهاب الدولي، ومحاربة جرائم الثراء غير المشـروع، والجـرائم الاقتصادية بالتصدي لعمليـات غسـيل الأمـوال وغيرهـا، ومكافحة جرائم تهريب الأسلحة والبضائع والآثـار والتـراث الثقافي.
3 – التعاون في مجال الإنقاذ البحري، والتسلل غير المشروع.
4 – التعاون في مجال مكافحة المخدرات «تجارةً واستهلاكاً».
5 – التعاون في مجال التدريب الأمني من قوات الشرطة، وتبادل الخبرات والمعلومات الأمنية.
6 – تحجيم نشاطات المعارضة في كلا البلدين.
إضافة لعدة بنود أخرى لها علاقة بالحج والعمرة والزيارة وتأشيرات الدخول إلى البلدين.
ويؤكد السفير الليبي في مقاله أن هذا سينعكس إيجاباً على عدة ملفات في المنطقة أولها الداخل الإيراني والسعودي، حيث سيؤدي هذا الاتفاق إلى هدوء من ناحية المناوشات السياسية بين الجانبين، أما الملف اليمني فيعد من أبرز المستفيدين من الاتفاق، لأنه سينعكس على الهدوء في اليمن والعودة للحوار والهدنة وإيجاد حل يوافق جميع الفرقاء في البلاد، وفي هذا الملف تحديداً أكد مسؤول إيراني لوكالة «رويترز» أن طهران ستستخدم نفوذها في المنطقة وخاصة في اليمن لدعم أمن الرياض، وأضاف: إن إيران اتفقت مع السعودية على أن أيّاً من البلدين لن يكون مصدراً لعدم الاستقرار بالنسبة للآخر.
ويرى العبيدي في مقاله أن الاتفاق سيكون مفيداً أيضاً لكلٍّ من سورية ولبنان اللَّذيْنِ يعدان مهمَّين لإيران والسعودية، وهذه التسوية بينهما ستؤدي إلى تسوية أخرى في سورية، وفي هذا الصدد أكد الرئيس السوري بشار الأسد أن التوافق السعودي – الإيراني لا بد أن ينعكس إيجاباً على المنطقة بشكل عام، ولا شك بأنه سيؤثر في سورية، أما لبنان فإنه يوحد في وجهات النظر بين طهران والرياض، على عدة ملفات أبرزها رئاسة الجمهورية والملفات الاقتصادية والتشكيلات الحكومية، وبالتالي الاتفاق سيكون إيجابياً لحل هذه الخلافات. كما أن هذا الاتفاق سينعكس بصورة إيجابية على العراق، لأن إيران والسعودية دولتان جارتان لبغداد ولديهما نفوذ كبير في الداخل العراقي، وبالتالي العلاقات الإيجابية بينهما ستكون مصدراً للاستقرار في العراق.
ويعتبر العبيدي أن التقارب الإيراني – السعودي، يؤكد أن طهران قدّمت للرياض ضمانات تفيد بأن برنامجها النووي سلمي وكذلك برنامجها الصاروخي بأنه لا يستهدفها، وأن السعودية تعي أن «إسرائيل» تريد جرّها لحلف يؤدي إلى ضرب إيران فارتأت الرياض وكذلك طهران أن الحوار هو السبيل الأمثل للهدوء والأمان والاستقرار، إضافة إلى أن الصين وجَّهتْ رسالة مهمة للولايات المتحدة تفيد بأنها قادمة بقوة لحل أزمات الشرق الأوسط، خصوصاً أن هذا الاتفاق جاء بعد ساعات من إعادة انتخاب الرئيس الصيني لولاية جديدة، إضافة إلى أن بكين تريد أمان طريق الطاقة والاستقرار في المنطقة لاسيما لحليفتها إيران وصديقتها الجديدة السعودية، وهو ما سعى إليه الرئيس الصيني في زيارته إلى الرياض، وزيارة نظيره الإيراني إلى بكين في الفترة الأخيرة.
ويتابع: المملكة السعودية تريد الهدوء للمنطقة ومدّ يد السلام للجيران، لأن الخصومة لا تصنع استقراراً والرياض معنية بهذا الاستقرار، وخصوصاً أنها تُقدِّم رؤية طموحة ومهمة للمنطقة من خلال رؤية 2030.
ويختم السفير الليبي مقاله قائلاً: بما أننا ذكرنا قطر لا بد من الحديث عن محاولة كيان الاحتلال الإسرائيلي طلب الوساطة القطرية من أجل التهدئة مع طهران، وخصوصاً أن هذا الكيان يعي تماماً أنه بات من دون حلفاء في المنطقة، وأن التطبيع لم يجلب له الأمان، وفي الإمارات مثلاً أعلن رئيس الحكومة حاكم دبي الشيخ محمد بن راشد، خلال لقائه أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي شمخاني، عدم السماح باستخدام جغرافية الإمارات ضد إيران، ما يجعل الكيان الإسرائيلي عاجزاً عن القيام بأي محاولة استفزاز لطهران، ما دفعها للبحث عن ملجأ للتهدئة مع إيران عبر طريق الدوحة.