تشطيب

وضعَتْ روايتها أمامي، وقالت على عكس كلّ توقعاتي: أنتظر منك نقداً صارماً لها! ولم أعلن استغرابي للطلب رغم أن الرّواية مطبوعة، والمألوف أن يُقرأ المخطوط لغاية التعديل أو صلاحية الدّفع إلى الطّباعة، وليست رواية أُنجزت وطُبعت ووزّعَت، لكنها زوّدتني قبل أن تنصرف إلى نشاطها الاجتماعي الذي لا يفتُر بالأسباب التي دفعتها إلى هذه الرغبة: -كتبتُ هذه الرواية بدافعِ أن أرتّب التجارب التي عشتها في جوّ المثقّفين في نسَقٍ واحد أستطيع تأمُّلَه حين أحتاج إلى رؤية مكاني بينهم لأنني دخلتُ أجواءهم صغيرةً طامحة إلى مكانٍ يجب ألا يكون حكراً على أصحاب الشّهادات، سلاحهم أقوال فلاسفة وعلماء وزعماء، خاصة حين تشتدّ القعقعة ويحسمونها بقال فلانٌ وأوجز فلان! وفاجؤوني بدايةً بالتعامل معي على أنني مثلُ عريفة احتفالات أصلح لتقديمهم على المنابر في الاحتفاليات الكبرى التي يتناوبون الظهور فيها، فيزداد تلميعُهم وتأطير الصورة الخلابة لوجودهم في زمن العصف الفكري وحاجة الجموع إليهم، وأنت تعرفين أن تاريخ البشرية له في كلّ حقبة زمنيّة تمايزٌ «طبقي» ونحن في حقبة «قادة الرأي» وجموع «الرّأي العام» حيث دُغمت الثقافة بالإعلام ثم بات الإعلام «ميديا» وحين بدأتُ بطرح الأسئلة حول بعض أفكارهم الملتبسة وظهورهم تحت الأضواء بصورة مناقضة للواقع الذي رصدتُه عن قرب، شعروا بأنني مزعجة وأكبرهم في «هيبة» الحضور وبّخني، جانباً، وحذّرني من مداخلاتي «الطفولية»! ومن هذه المداخلات كنت أنضج أمام نفسي رغم أن كلّ مجموعة منهم كانت تستبعدني بدافع الشكّ أو الثقل غير المحمود على طريقة «القشة التي قصمت ظهر البعير»! تخيلي كنت بالنسبة لهم مجرد قشة، ومشروعهم كان كبيراً ومموّلاً من جهات إنسانية سرعان ما اكتشفت أنها جهات وهمية، وأن التوجُّه أخطر مما كنت أعي وقتها، وأبعدَ مما وظّفوا جهودهم له، وحين كنت أنتصر لحسّ العدالة الذاتي الذي فُطرتُ عليه عثروا على أول تعليل لنشوزي ووصفوني بل تعاملوا معي على أنني «مندسّة» لكشف تفاصيلهم في الكواليس!
تنسى الكاتبة موضوع روايتها التي أودعتني إياها لحظات، ثم تعود: -شعرت حين غادرتهم بعواصف من الانطباعات التي يعسر عليّ أن أرويها في كل وقت ولكلّ سائل: ماذا حصل معك هناك؟ فخطر ببالي أن أرويه مرة واحدة لذلك كانت هذه «الرواية» وقد لا أكتب غيرها أنا المملوءة بالشكّ من مدائح قرائها المقرّبين! في الفكر «السياسيّ» تتقبّلين النقد أو الثناء بسبب الانتماءات وبسبب حاجة المؤدلجين إلى سند أما الأدب فشيء آخر. ثم تطلق على روايتها طلقة نافذة: في عنوان الرواية خطأ نحوي، ولو أنني كتبتها متأخرة قليلاً لما اقترفتُ هذا الخطأ!
هي تحدّثني عن زحمة أحداثٍ وخبرات، وأنا أذهب بعيداً إلى موقف الكتّاب من مؤلّفاتهم: هل وقف بعضهم في مواجهة مؤلّفاتهم ورغبوا في تشطيب بعضها، إن لم أقل في شطبها بكلِّيتها؟ هي حالةٌ قد تفتح طريقاً جديدة إلى مزاجية الكاتب وتبدله من موقعٍ إلى آخر، وفي عالم الكتابة غرائبُ دونها غرائب هذا الكون في فلَكه وأعماقه!

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار
(وثيقة وطن) تكرم الفائزين بجوائز مسابقة "هذه حكايتي" لعام 2024..  د. شعبان: هدفنا الوصول لحكايا الناس وأرشفة القصص بذاكرة تحمل وطناً بأكمله معلا يتفقد أعمال تنفيذ ملعب البانوراما في درعا ويقترح تأجيل الافتتاح بسبب تأثر المواد اللاصقة بالأمطار الوزير الخطيب: القانون رقم 30 يهدف إلى حماية بنية الاتصالات من التعديات الوزير صباغ: إمعان الاحتلال في جرائمه ضد الشعب الفلسطيني يعبر عن سياسات إرهابية متجذرة لديه الجلالي يبحث مع أعضاء المجلس الأعلى للرقابة المالية صعوبات العمل ووضع حد لأي تجاوزات قد تحدث طلاب المعهد الصناعي الأول بدمشق يركّبون منظومة الطاقة الشمسية لمديرية التعليم المهني والتقني أجواء الحسكة.. عجاج فأمطار الأضرار طفيفة والمؤسسات الصحية بجهوزية تامة لمعالجة تداعيات العجاج انطلاق فعاليات أيام الثقافة السورية في حلب بمعرض للكتاب يضم ألف عنوان أين وصلت عمليات الترميم والتأهيل لمتحف معرة النعمان وماذا عن متحف حماة وقلعتها؟ بسبب العاصفة.. أضرار مختلفة في الشبكة الكهربائية باللاذقية