نوري الرحيباني.. وداعاً للمايسترو العظيم
تشرين- سناء هاشم:
«الآن مضيت يا أخي وصديقي الحبيب وتركت عصاك السحرية فوق دفترك الموسيقي لتحكي قصة الإبداع ورحلة الخلود.. كيف تمضي وموعدنا في دار الأوبرا في دمشق لتحرك الأمواج وتشعل العاصفة من جديد إثر كل حركة إبداعية من عصاك أو من رؤوس أصابعك السحرية، فتجعل البحر هائجاً مائجاً تارة، وأخرى هادئاً وادعاً.. وداعا أيها المايسترو العظيم..»، بهذه الكلمات نعى المايسترو صفوان بهلوان الموسيقار والمايسترو السوري العالمي نوري الرحيباني الذي غادرنا مساء الجمعة في العاصمة الألمانية برلين، عن عمر ناهز الـ 84 عاماً، وبغيابه يخيم الحزن على النوتة الموسيقية، ليأتي الخبر مؤسفاً للموسيقا السورية والعالمية ولكل من عرفه.
نعاه أحد تلاميذه قائلاً: كان إنساناً نبيلاً لطيفاً محباً ومتعاوناً، يتسم بالمرح وحس الفكاهة، يعمل بكل شغف وحب للموسيقا، وكانت سورية دائماً حاضرة في وجدانه.. لم ينقطع عن التواصل معنا حتى آخر يوم في حياته، ولم يتوقف عن التأليف والتوزيع الموسيقي رغم المرض.. هو أول قائد أوركسترا قام بدعوة أوركسترا المغتربين السوريين «الفيلهارموني» لأداء حفل كبير في ألمانيا بعد حفل التأسيس في عام ٢٠١٥، ومن ثم كان لنا الشرف بالعمل معه كقائد أوركسترا في عدة حفلات وجولات في ألمانيا، وكان لنا الشرف أيضاً بأداء العديد من أعماله الأوركسترالية وموسيقا الحجرة مع الأوركسترا ومع خماسي دمشق الوتري في جميع أنحاء أوروبا».
ويقول ثان: «لم يكن موسيقياً عظيماً فقط، بل كان إنساناً أعظم وبمثابة الأب الروحي لي أثناء دراستي في ألمانيا».
يجمع كثيرون على أن رحيل نوري الرحيباني، ابن مدينة الحسكة، شكل خسارة كبيرة للمشهد الموسيقي السوري والعالمي.
تنقل الرحيباني بين مدن سورية عدة بسبب عمل والده في سلك القضاء. وكان لوالدته، التي تتقن لغات متعددة وتعزف البيانو، الأثر الأكبر على شخصيته. درس الحقوق في جامعة دمشق، بسبب عدم وجود معهد عالٍ للموسيقا في سورية حينها، وكان يعزف البيانو في قاعة الموسيقا في الكلية آنذاك. وفي عام 1959، أعلنت وزارة المعارف عن مسابقة للإيفاد فتقدّم لها ونجح، إذ حصلت سورية على أربعين منحة ألمانية، منها منحتان للموسيقا آنذاك.
أقام الرحيباني في ألمانيا وتفرغ للعمل الموسيقي، وعمل قائد أوركسترا «مايسترو» للعديد من الفرق السيمفونية العالمية، منها فرقة سان بطرسبورغ السيمفونية، وفرقة إذاعة برلين السيمفونية الكبيرة، والفرقة السيمفونية الوطنية السورية.
منحه الرئيس الألماني الأسبق «هورست كوهلر» وسام الاستحقاق الألماني من الدرجة الأولى تقديراً لإبداعه في مجال الموسيقا وقيادة الأوركسترا في ألمانيا والعالم.
قدم الرحيباني مع الفرقة السمفونية السورية «كارمينا بورانا» الملحمة الموسيقية الشهيرة في دار الأوبرا بدمشق، وكان حلم حياته إنشاء معهد عالٍ للموسيقا وتأسيس فرقة سمفونية وطنيّة سورية. وبعد تأسيسها، استدعي المايسترو الراحل لقيادتها، أول مرة عام 2001، وألف لها عدة سيمفونيات أشهرها: «المدن الميتة» «أنشودة السلام»، و«نشيد العاصفة»، إلى جانب عدة أغانٍ ورقصات شعبية.
في عام 1975، عاد إلى سورية وتعيّن في المعهد العربي للموسيقا بإدارة صلحي الوادي، وأسس فرقة للأطفال، وألف كتاباً يحوي 60 أغنية، كما قدم عدداً من المشاريع لوزارة الثقافة.
وضع الراحل الموسيقا التصويرية لعدد من المسرحيات والأعمال السينمائية والإذاعية في كل من سورية وألمانيا كما ألف عدداً كبيراً من المقطوعات والأغاني.
كرمته وزارة الثقافة والأوركسترا الوطنية بحفل خاص قدمت فيه أجمل مقطوعاته عام 2019.