الكوميديا المحليّة.. سرٌّ لا يعرفه إلا السوريون

تشرين- ميسون شباني:
محاولات جادة تقوم بها القنوات السورية لاستقطاب المشاهدين عبر الأعمال التي تقدمها سواء على صعيد الكوميديا أو الأعمال الاجتماعية أو التاريخية وحتى الفانتازية، ورغم الإنتاجات الضخمة التي يقدّمها صنّاع الدراما كل عام لكن هناك بعض الأعمال التي تتسابق المحطات إلى عرضها لكونها تشكل وجبة دسمة للمشاهد وتحقق متابعة لافتة، فمثلاً مسلسلات (دريد ونهاد) التي قدمت مع بدايات انطلاقة التلفزيون العربي السوري في ستينيات وسبعينات القرن الماضي لاتزال لها نكهتها الخاصة رغم بدائية عمليات التصوير والإخراج وأحادية مكان التصوير- استديو 2 – الشهير الذي لم تغادره الكاميرا حتى بداية البث الملون مروراً بعدة أعمال نالت شهرة محلية وعربية حينها.
لكن تبقى الكوميديا هي الجاذب الأكبر للمشاهد ، فمن منا ينسى «مقالب غوار» أو «حمام الهنا» أو حتى بطولات «أبو عنتر» القبضاي والشريك الوفي لغوار وكلماته التي أصبحت (أفيهات) متداولة في الشارع العربي مثل (برونتو) أو مع «أبو كلبشة» – عبد اللطيف فتحي- الذي دوخ موسوليني، وأنفه الذي لا يخطئ، ومن منا لم يشفق على المسكين حسني البروظان صاحب المقولة المشهورة «إذا أردنا أن نعرف ماذا يوجد في إيطاليا فيجب أن نعرف ماذا يوجد في البرازيل» وضياع حبه لفطوم حيص بيص –نجاح حفيظ- صاحبة أوتيل (صح النوم) وزواجها من ياسينو المسكين الذي ذهب ضحية في هذا الزواج.. ولعل أبرز الأعمال التي تستعيدها المحطات السورية مراراً وتكراراً من دون أن يمل المشاهد هي: «مرايا» وفكرة السكيتش. خيارات كثيرة منحها الفنان ياسر العظمة للمحطات عبر مراياه والتي تعد من كلاسيكيات الدراما السورية، وأبصرت النور في أولى إنتاجاتها عام 1982 ،وقدمها العظمة بأسلوب ساخر كوميدي تناول خلالها قضايا اجتماعية وإنسانية بطريقة هزلية، وكرّس شكلاً جديداً في طروحاته من جهة الأغنية الناقدة المغناة، وأصبحت المرايا تقليداً سنوياً، وباتت ماركة مسجلة يتم بيعها إلى المحطات العربية بمجرد الانتهاء من تصويرها، والشكل المختلف لـ(مرايا) أفرز مزاجاً جديداً في الكوميديا، وخرج من عباءته العديد من الفنانين الذين أصبحوا نجوماً فيما بعد.
فلاشات وبقع من الضوء
وبمرور الوقت استفادت المحطات في عروضها من تجارب كل من الفنانين باسم ياخور وأيمن رضا والمخرج الليث حجو في مشروع «بقعة ضوء» والذي قدم مجموعة من اللوحات الكوميدية الناقدة التي تحتوي كل منها على معالجة تلفزيونية درامية بأسلوب تكثيفي لأحد الموضوعات التي يتم تناولها في قالب تمتزج فيه البسمة مع الألم من مظاهر التخلف والكذب والغش، إضافة إلى المفارقات الحياتية الساخنة، فتلقي الضوء على العيوب في المجتمع، وما يميز «بقعة ضوء» أنها تجمع ضمن لوحاتها عدداً كبيراً من نجوم الشاشة السورية رغم صغر مساحة الأدوار فيها، ولكن قوة تأثيرها كانت كبيرة، وهو ما دفع صناع العمل إلى الاستمرار فيها رغم تباين جودة لوحاتها في السنوات الاخيرة.
عيلة النجوم
كما تستمرالقنوات السورية في استعادة مسلسلات النجوم، إذ قدم المخرج هشام شربتجي شيخ الكوميديا السورية عدداً من الأعمال الكوميدية عبر سلسلة النجوم الشهيرة بدأها بـ«عيلة 5 نجوم »والتي حاكت البساطة في حياة واحدة من الأسر الدمشقية ذات الدخل المحدود وطريقة تعاطيها مع تكاليف الحياة الباهظة بكوميديا أقل ما يمكن وصفها بالخلابة، واعتمد شربتجي شكلاً بصرياً على (السيت كوم) واعتماد المكان الواحد والإضاءة وحركة الكاميرا، وتبعه بجزء جديد وبشراكة مع الكاتب د.ممدوح حمادة لتتطور الحكاية بأسلوب شائق من دون أن يخرج من المكان الواحد، وحاز العمل أربع جوائز في مهرجان التلفزيون العربي، وهي أفضل إخراج للمخرج هشام شربتجي وأفضل ممثلة للفنانة سامية الجزائري و أفضل ديكور تصوير للمهندس عامر المطيري وأفضل ممثل واعد للفنان شادي زيدان، ليتبعها بجزءين جديدين وإعلان انتهاء سلسلة النجوم.
فارس الكوميديا
وما دمنا نستذكر الكوميديا لابد من التوقف مع فارسها، فلا أحد ينكر ما قدمه الفنان أيمن زيدان للكوميديا بدءاً من «يوميات مدير عام » وجنح عبر حلقاته بشكل بصري لافت يمكن توصيفه بالسهل الممتنع، فتم تكامل أركان الكوميديا من كل الجهات حيث وجهت الأنظار للفنان زيدان ودفعته لخوض المزيد من الكوميديا وقدم العديد من الأعمال الحاضرة على الشاشة دائماً منها :صوت الفضاء الرنان، بطل من هذا الزمان، زمان الصمت، جميل وهناء، وألو جميل وألو هناء، أنت عمري، مرسوم عائلي، وعززها بجزء ثان من يوميات مديرعام، وتتالت كوميديا زيدان ليقدم مؤخراً «الفرسان الثلاثة » الذي لم يحظ بالمشاهدة المطلوبة بسبب سوء التسويق .. نقطة تحول نوعية ..

بالعودة إلى شاشاتنا المحلية والمتابعين لها يلاحظ كمّ الإعادات الهائلة التي حظي بها مسلسل «ضيعة ضايعة» بجزءيه، وحقق نقلة نوعية في الكوميديا السورية فلا يكاد عرضه ينتهي في محطة محلية حتى يبدأ عرضه في محطة أخرى، ولعل بساطة القصة وتمكّن أبطاله من أدواتهم ولهجتهم جعلتهم من رواد الكوميديا الجدد وجعل مفرداتهم (أفيهات) متداولة بين الناس، إضافة إلى الإخراج البصري الذي نقلنا عبر الكاميرا إلى جمال الطبيعة السورية والتقاط أمكنة أقل ما يمكن القول عنها إنها أجمل بقاع العالم، وهي نقطة تسجل للمخرج الليث حجو الذي أعاد تجرية الكوميديا مجدداً في مسلسل «الخربة» مع شركاء إضافيين جدد، ومن بعدها «ضبوا الشناتي» و«الواق واق » مؤكداً فكرة جودة المنتج السوري ليس في الدراما وحدها بل في الكوميديا، على نحوٍ خاص.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار