تنازع رؤى حول دور الإرشاد النفسي في المدارس.. وخبراء يصنفون كادر الإرشاد بعد الطبيب في الأهمية والعلاج
تشرين- بارعة جمعة:
شعور بالتعب والوهن والإحباط، وسقوط مفاجئ في دائرة الحيرة والشك، تليها سلوكيات ضمن إطار التوجية والتربية، التي غدت ضمن مناهج تعليمية مستنبطة من علوم عدة، كالفلسفة وعلم النفس وعلم الاجتماع، هي خليط من الإرشادات المتكاملة فيما بينها، شملت حلولاً للكثير من الأزمات النفسية والاجتماعية، حملت معها انعكاسات خطرة على صحة الفرد والمجتمع، كما أكدتها الإحصاءات مؤخراً حول تعرض الأطفال في مرحلة التعليم الأساسي إلى حالات اكتئاب، تعود أسبابها ونتائجها إلى ظروف عدة، ما فرض على خبراء التربية والإرشاد النفسي تحديات كبيرة للحفاظ على الصحة النفسية للأسر عامة.
نظرة تحليلية
وإذا عدنا إلى البحث ضمن دائرة الأزمات المستمرة والمحيطة بالطفل من كل اتجاه، فلابدّ من الوقوف عند نقطة محورية لا يمكن التغاضي عنها أو تجاوزها، فيما لو قرر المختصون اعتماد سبل العلاج والبحث في جوهر المشكلة، التي لابدّ أنها ضمن دراسات علم النفس الإرشادي، الذي غدا من العلوم المهمة التي من الواجب تفعيلها بقوة ضمن ميادين العمل كلها، حسب توصيف الدكتور في علم الفلسفة غوث يارمينيان، متناولاً في حديثه زاوية الأزمات التي خلفت حالة من الاضطراب النفسي والفوضى السائدة، وبالتالي عدم الاستقرار ضمن بيئة الطفل، ما سينعكس عليه سلباً لا محالة.
وما يعيشه الأهالي اليوم من مدّ وجزر في حياتهم المعيشية تحت نير الوضع الصعب، الذي سيطر على سلوكيات أولياء الأمور أو الإخوة الأكبر سناً، سيجعل الطفل مهمشاً في منزله، برأي يارمينيان، فلا يدري الطفل أي منقلب سينقلب وسط هذه الظروف، ليأتي دور علم النفس الإرشادي في توجيهه وتوعيته بكل أخطائه، مع اعتماد سلوك الشفاعة للعفوية منها.
المرشد النفسي هو الملجأ الأول والمساعد للطلبة وفق رؤية رئيسة دائرة الإرشاد النفسي والاجتماعي في وزارة التربية
ضرورة مجتمعية
وهنا تطالعنا أهمية اعتماد هذا العلم ضمن مناحي الحياة الاجتماعية، من دون حصره في حقل التعليم وميدان التربية الإلزامية، التي تعده مادة وظيفية للتلميذ، برأي يارمينيان، لنجده ملتزماً بها ضمن سلوكياته المدرسية، محاولاً الانضباط قدر المستطاع ومراعاة هذه النظم لشعوره بالمراقبة وخوفاً من عصا العقوبة المعنوية.
وهنا تبرز لنا أهمية دور المرشد القائم بمهمة العناية بالطفل، التي من المفترض أن تكون ذاتية الولادة بداخله، ولا تتكئ على دراسات ممنهجة، بل على الأساسيات والأولويات، برأي يارمينيان، فحماية الطفل لا تأديبه هي الغاية، كما أن تنمية حسه بالوعي الحتمي بالتطور الذهني كفيلة بردعه، ومن ثم تعليمه كيفية حماية نفسه في مجتمعه الصغير المحدود حوله.
اكتئاب الطفولة
وفي قراءة عميقة لما يثار الحديث حوله من حالات اكتئاب بين صفوف الأطفال، أرجع الدكتور غوث يارمينيان هذا الأمر إلى اللامبالاة والإهمال والشعور بالخذلان المؤدية للانطواء والتذمر، ما يسوق للاكتئاب والاستسلام من قبل الطفل، إلّا أن ما يقوم به المرشد اليوم من سلوكيات ضمن علاجه للطفل، يعتمد بالدرجة الأولى على أخطاء آنية الحدوث، التي تأتي ضمن إطار التنشئة لا الإرشاد برأيه، والتي لا تعكس مهمة الإرشاد النفسي، التي من الواجب أن تلاحق الصغار والكبار وصولاً إلى الطاعنين بالسن، نافياً في الوقت ذاته عدّها مجرد ثقافة للتسلية، إنما رسالة لبناء الإنسان، ليأتي المرشد النفسي في المرتبة الثانية بعد الطبيب المسعف مباشرة حسب توصيفه لأهمية هذا العلم.
داعم أكاديمي
وفي مقاربة ليست ببعيدة عما يتم العمل به ضمن ميدان التربية والتعليم، الذي شهد قبولاً كبيراً لثقافة المرشد النفسي بصفته الملجأ الأول والمساعد للطلبة، حسب تصريح رئيسة دائرة الإرشاد النفسي والاجتماعي في وزارة التربية الدكتورة سبيت سليمان، التي أبدت ارتياحاً كبيراً لدور المختصين في هذا الميدان، واصفةً إياهم بالداعم الأول في مجال رفع مستوى الصحة النفسية للطلبة في المدارس، وذلك عبر تقديم خدمات إرشادية فردية وجماعية لطالبي المساعدة، إضافة إلى إيجاد جو صحي لنمو الطلبة نمواً طبيعياً وفق خصائص المرحلة النمائية التي يمرون بها.
اللامبالاة والإهمال والشعور بالخذلان تؤدي إلى انطواء الطفل والتذمر.. مقدمات لاكتئاب الطفل والاستسلام
إلّا أن ما يشاع عن حالات الرفض وعدم التقبل لهذه الثقافة، هو نادر وغير قابل للتعميم، حسب تأكيدات سليمان لـ«تشرين»، ليبقى لحالات الاكتئاب- التي وصفها البعض بالشائعة بين طلاب التعليم الأساسي- صفة الندرة، مع تسجيل بعض الحالات التي تم التعامل معها وفق إدارة الحالة.
إجراءات تربوية
وما يتم العمل به بالنسبة لكوادر المرشدين يأتي ضمن اختصاصات الإرشاد الأكاديمي الذي يتم تدعيمه بالتدريب على المهارات الإرشادية في التعامل مع الحالات التي يتم رصدها في المدارس، ومن ثم علاجها وفق التقديرات المناسبة لكل حالة على حدة، حيث تم إجراء دراسة استطلاعية حول أهم المشكلات المدرسية، وظهرت مجموعة من المشكلات منها الاجتماعية والسلوكية والاقتصادية والصحية التربوية والنفسية التي تنوعت بين الغيرة، والقلق، والتنمر، واضطراب المسلك، والخجل، وإيذاء الذات، والاكتئاب، ومثل هذه الحالات يتم العمل عليها وفق استراتيجيات الإرشاد عن طريق وضع دليل لحلها، يضاف إلى ذلك قيام الوزارة بإجراء دورة تدريبية لمدة خمسة أيام للمرشدين النفسيين والاجتماعيين وموجهي الإرشاد، حول أهمية التمكن من حلّ هذه المشكلات.
ختاماً، بعد كل ما سبق تبقى لنا رؤية من وحي الواقع المعيش، وهو أنّ دور الإرشاد النفسي في المدارس ينكفئ أمام زحمة الغزو الثقافي والأنماط المعلبة الواردة إلينا والمحمولة عبر وسائل الميديا المتنوعة.. وأغلب الظن أن الارتياح لأداء الإرشاد النفسي في مدارسنا لا يجوز أن يبقى طويلاً، بل يجب الاعتراف بأن تحديات الإرشاد كبيرة وتحتاج الكوادر إلى أولاً تكثيف عددي، وثانياً مهارات جديدة، وثالثاً أدوات ومعدّات مساعدة، لأن الخطر يبدو كبيراً، ولا يمكن مواجهته بوصفات نظرية وتطمينات بعيدة عن حقائق الواقع.