في حضرة الرئيس الأسد
كتب الصحفي والكاتب العُماني سالم بن محمد العبري في صحيفة الرؤية العُمانية مقالاً عن زيارته لدمشق ولقائه السيد الرئيس بشار الأسد، وقال في مقاله: حين أبلغني السفير إدريس ميّا بترتيب سفرنا إلى دمشق، التي يتعلق بها وجدان كل عربي ومسلم، ثابت الإيمان قوي الشكيمة والإرادة، كان وجداني يخفق مردداً أنّ الزيارة سيكون لها معنى كبير، إذا حظينا بوسام لقاء الرئيس بشار الأسد، مهندس النهضة المميزة التي تحققت في السنوات العشر الأولى منذ تولى الرئاسة في العام (2000م)، بعد رحيل القائد المُلَهَم حافظ الأسد تاركاً القيادة الجماعية للبُناة الذين صاحبوه وآزروه منذ أن قاد الحركة التصحيحية في الـ 16 من تشرين الثاني (1970م) عقب وفاة الزعيم جمال عبدالناصر بشهرين، وكأنه استوحى أن أحداثاً جساماً ستعصف بالمنطقة العربية وبالأمة ولابُد من تحصين سورية التي ستكون القلعة العربية الوحيدة، إذ ستتهاوى قواعد العروبة تباعاً، وكانت سورية قد شهدت قبله اضطرابات وعدم استقرار نتيجة الانقلابات التي تتابعت في الجمهورية العربية السورية، لاسيما الانقلاب ضد الوحدة في (1961م).
ترأس الرئيس بشار الأسد الكوكبة التي أقامت البناء الثابت مع الرئيس حافظ الأسد ثباتاً وفكراً والمؤشرات تُشير بأحداث جسام ومصيرية سوف تعصف بالعالم العربي، وقاد سفينتهم بكل اقتدار وشجاعة.
من هنا فإن تلبية الدعوة التي تأجلت بسبب كورونا وتفاعلت سريعاً، كانت محط اهتمامي وخاصة أنني كنتُ طوال السنوات الماضية متابعاً عن كثب للشأن السوري، وقد تضاعف هذا الاهتمام بعد تأكيد موعد الزيارة واحتمال أن نحظى بشرف لقاء لطالما حلمتُ به مع سيادة الرئيس بشار الأسد، علماً أنّ السفارة لم تؤكد ولم تنفِ ذلك. وبعد أن وصلنا إلى مطار دمشق الدولي ووجود سيارة مراسم من الرئاسة السورية بانتظارنا زاد لدينا أمل اللقاء.
قضينا يوم الجمعة برحاب الجامع الأموي مؤتمين بالدكتور توفيق محمد سعيد البوطي، ابن الشهيد البوطي، الذي استشهد بالمسجد وهو يدرّس تلاميذه، ودُفِن إلى جانب مرقد القائد صلاح الدين.
أما يوم السبت فقد زرنا الزبداني ومرافقها السياحية، إذ بدأت الحياة تدّب في المدينة وتتهيأ لاستئناف العمل بخفة لا توحي بعجلة من الأمر، والطرقات تسترجع نشاطها ونقاط الأمن لا تشعرك بأنّ البلد في حرب بل تُنبئك بأن الأمن والبلد ممسوكان، ويقول مرافقنا أن أهل المنطقة حموا بلداتهم ومساكنهم ومرافق حياتهم التي يعتاشون منها زراعةً أو تجارة أو سياحة بالتعاون مع الجيش العربي السوري، لذلك لم يتمكن الإرهاب من التدمير أو العبث.
ومن ثم أخذنا مرافقنا إلى قناة نورالشام، حيث أمضينا هناك حوالي ثلاث ساعات، ومرافقنا من مراسم الخارجية لا يكاد يُفصح لكنه يلمح ولا يلتزم بشيء، فارتباطات المسؤول الأول تحدث له على عجل، وهم قد أُهِلوا لمثل هذه المفاجآت، فلا يقولون إلاّ الخبر اليقين.
أتى يوم الإثنين، ليعلمونا بضرورة عدم الارتباط بأي مواعيد يوم الأربعاء صباحاً، ويوم الثلاثاء مساءً طلبوا منّا أن نكون جاهزين في تمام التاسعة صباحاً من اليوم التالي، حيث كُنّا جاهزين في الساعة المحددة في بهو الفندق وما هي إلاّ دقائق حتى أتى ضابط ليأخذنا ويتقدّم موكبنا ويجلس معنا، كأنك أمام أخ وشخص مألوف لك، لا ترف في الملبس عن سائر الناس ولا رتباً معلقة ولا عجرفة وتحدثنا وكأننا تخرجنا من مدرسة أو كلية واحدة أو بيننا صلة رحم أو جيرة، كلا يا أخي، إنها مدرسة الأسد التي أتت من رحم الشعب وغايتها الشعب وهمها وشاغلها الشعب والوطن، لا بيوت ولا قصور، بل مع الشعب والجيش.
ما هي إلا دقائق وطلب منّا الضابط التحرك من الفندق، قطعنا بعدها طرقات دمشق التي بدأت تستعيد حيويتها مع ازدحام ملحوظ والأشجار يمنة ويسرة ترافقنا كأنها حرس بلباس أخضر، ولم نستشعر أنّ الطريق يبعد وكثافة التشجير تتعاظم والزهور تتفتح بعبير الزهر الصباحي والطريق يأخذ بالصعود في ربوة تناظر جبل قاسيون وكل منهما يطل على الآخر، وصلنا بوابة بها عناصر من الجيش تؤكد بأننا قد دخلنا حرم الرئاسة ولحظات والمركبات تقف على باب لا يبعد عن موقف المركبة سوى أمتار وما نكاد نبرح أبواب العربة حتى رأينا الرئيس واقفاً علماً مبتسماً يستقبلنا، ونسرع تتشابك أيدينا والبِشر المتبادل يُعطّر اللقاء المؤرخ في الثاني من تشرين الثاني وتكتبه أنفاسنا في قلوب بيضاء ملأها بالحبور ورد الاستقبال البهيج، وقد يتراجع الشيب معنا وكأننا نؤرخ لحياة جديدة تستمد من ياسمين دمشق ومن عظمة ولطف قائد أيقن أنه يستقبل أناساً ينحدرون من لجين الأمة وأصالتها، لم تأتِ بهم رغبة شهرة أو تسويق مشاريع منفعة، بل ما جلبهم إلى هنا معرفة عميقة لمن يشمخ بقامته العالية علو المبادئ والتمسك بها والصبر والمصابرة، حيث يهذي عدوه ويحلم أن يترك الأسد عرينه، وبلغ بهذائهم أنهم أصيبوا بعمى الأبصار فإن تبدّت لهم ظلمة قالوا أنه سيخرج وامتدت ظلمتهم إلى يوم يلقونه، وإن
أبلج إصباح توهموا أنه أنار طريقاً للخروج وجن جنونهم وهم يرون كل مواعيدهم وتواريخ رجائهم مصيرها مواعيد عرقوب وسراب العطشان فلم يجد بلة ماء فمات عطشاً وكمداً.
وهو يصافحنا بحرارة الموقف والمودة وقامة رجال يستمدون من قامته ومن صفائه في البشرة والقلب قامة تعلو بهم إلى قمة قاسيون وجبال الحمراء وتمتد بهم إلى القدس والمسرى وإلى غرناطة التاريخ والحضارة التي علمّت أعداء اليوم، فجهلوا وخرفت عقولهم لذلك يهذون كالمنزوع عقله فيسير حيواناً لا إنسان، ويقول للشيخ هلال ألم تعد منذ العام ٢٠٠٥ لدمشق والصالون الذي فُتح إلى يسار الباب الرئيسي الذي يصطحبنا إليه تحسبه في بيت أحدنا وليس لقائد ملأ الدنيا أخباراً وتحليلاً وعجزت الأقلام أن تستقصي كُنه هذا الرجل، وربما يحتاج العاملون معه ومرافقوه أعماراً تضاهي عُمر نوح عليه السلام ليتمكنوا من تسجيل هذا السّجل العظيم. وأومأ لنا أن نجلس على كرسيين أمامه، وجلس هو في كنبة مقابلة وبدأ الترحيب والحديث المنساب دون تكلف كماء ينصب من نبع طبيعي يشفي ويذهب الظمأ الذي بنا لسماعه ومعرفته عن قرب. واستأذنته في كلمة أمامه، فأذن لي، وبدأتُ ببركة البسملة والحمد لله والصلاة على النبي وصلى معي على خاتم الأنبياء، ثم قلت: كم أنا سعيد أن أقف بين يديكم مسلمّاً ومحيّياً ومقبّلاً جبهة الصمود والإباء والقيادة التي تعلو بالأوطان والأمة، أنتم سيادة الرئيس تمثلون كل المعاني والقيم والمواقف التي يراها مثلي مدعاة للاعتزاز والتقدير والاحترام، يكفينا ونحن نتابع مسيرة سورية منذ أن بقيت سورية القلعة العربية الوحيدة للنضال والصمود، وشاء القدر أن تنتقل القيادة لسورية وأن يكون حافظ عهدها القائد الرئيس بشار الأسد، هو من يقود هذا القطر ويكون نِعمَ المَثل القائد للأمة ولنضالها ولأحرارها ومجاهديها، لذلك وأنا أعيش يوماً بيوم مع نضالكم وصمودكم خلال الحرب العالمية على سورية، أجد أن غثاء هؤلاء في قلب دمشق يبعد كيلومترات عن القصر الجمهوري وأنتم أسدٌ صامدٌ لا تهتز لكم شعرة، هذا ما يحدونا للقائكم ومصافحتكم والشد على كريم يديكم، قائلاً مردداً:
بشار فاصمد أنت آخر حصنهـــا *** وخذ القيادة بايعتك جموعهــــــا
واعلم بأنّ العرب كل شعوبهــــا *** تعطي القيادة من يقوم مقامهـــا
فانهض على بركات خالق كوننا *** عين السما ترعاك إن ترعا لها
عدلاً وصدقاً ثم قم بعزيمـــــــــةٍ *** قُـدْ أمُّـــة النصر مكفول لهـــــا
السيد الرئيس القائد الملهم، توكل على الله وثق بشعبكم وأمتكم وبأحرار الأمة التي نمثّل، والله مؤيدكم ومعينكم وناصركم ولن يترك أعمالكم.