الانسحاب الروسي من خيروسون.. بين التكتيك والإستراتيجية
تشرين- شوكت أبو فخر:
بعد أسابيع من المعارك في مقاطعة خيروسون ، جاء قرار وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو، مؤخراً بخصوص انسحاب القوات الروسية من الضفة اليمنى لنهر دنيبرو في خيروسون ، ليطرح علامات استفهام حول مغزى القرار المفاجئ، قرار روسي أبقى الواقع الميداني في خيروسون يشوبه الغموض والالتباس، وتالياً قابل للتحليل من وجهة نظر الخبراء العسكريين الذين يقرؤون التطورات الميدانية من زاوية التكتيك العسكري.
ورداً على قرار الوزير الروسي القاضي بالانسحاب من خيروسون ، قال قائد المجموعة الموحدة للقوات الروسية في منطقة العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا سيرغي سوروفيكين: «إن الوضع في منطقة العملية الخاصة مستقر بشكل عام» مضيفاً: الخيار الأكثر ملاءمة هو تنظيم الدفاع على طول الخط الفاصل لنهر دنيبر، مقترحاً إعادة تنظيم الدفاع على طول الضفة اليسرى لنهر دنيبر.
وأضاف سوروفيكين: «الإمكانيات القتالية لقوات المجموعات المشتركة في زيادة كبيرة، وتم زيادة عدد الطواقم في المعركة نتيجة التعبئة حيث تم إنشاء احتياطي من القوات الروسية».
ونوه سوروفيكين إلى أن «القوات الروسية تتقدم على محاور شتى»، موضحاً: «إن أوكرانيا مستعدة لاستخدام أساليب حرب محظورة في مدينة خيروسون وشن هجوم صاروخي ضخم على سد محطة كاخوفسكايا لتوليد الطاقة الكهرومائية، ما قد يؤدي إلى خسائر فادحة بين السكان المدنيين»، مضيفاً: العدو يطلق النار بشكل عشوائي على المدينة، وممكن أن يستخدم أساليب حرب محظورة، لذلك قررت الإدارة الإقليمية إجلاء السكان من الضفة اليمنى لنهر دنيبر إلى شبه جزيرة القرم ومناطق أخرى لهذا السبب، وأضاف: «أكثر من 115 ألف شخص غادروا هذه المنطقة، وقمنا بتأمين سلامتهم أثناء الإخلاء».
ويرى مراقبون أن القرار الروسي هو قراراً صائباً لتفادي تضحيات لا جدوى منها، ولإنقاذ حياة الجنود، موضحين أن «خيروسون منطقة صعبة للغاية من دون إمداد منتظم ومستقر للذخيرة وصفوف خلفية قوية.. في هذا الوضع الصعب، تصرف سوروفيكين بحكمة، كما أجلى المدنيين وأمر بإعادة تجميع صفوف القوات».
وكانت خيروسون من أول المدن الإستراتيجية الأوكرانية التي وقعت في قبضة الجيش الروسي مع بدايات العملية العسكرية الروسية لحماية دونباس.
جاء القرار الروسي بالانسحاب من خيروسون بعد تسلم الوزير شويغو تقريراً ميدانياً من قائد العمليات الروسية في أوكرانيا الجنرال سيرغي سوروفيكين، الذي اقترح هذا التكتيك كضرورة لتعزيز خطوط الدفاع.
ويرى خبراء عسكريون أن هذا القرار لم يكن مفاجئاً استناداً إلى عمليات الإجلاء الروسية المتواصلة لسكان خيروسون على مدى أسابيع، وربما يشكل تكتيكاً روسياً لاستدراج القوات الأوكرانية ونصب الفخاخ أمامها.
وفي المقابل، ذهبت تحليلات لاعتبار ما يحدث ربما مقدمة للعودة لطاولة المفاوضات، خاصة أن الحرب شارفت على نهاية شهرها التاسع وسط مؤشرات قوية تفيد بصعوبة وتكلفة الحسم عسكرياً.
لكن خبراء آخرين يقولون: «إن هذا الانسحاب كان مقرراً مسبقاً بعد تعيين القائد الجديد للمنطقة العسكرية في شرق خيروسون، وغالباً فإن تأجيل الانسحاب كان مرتبطاً بالانتخابات النصفية الأميركية كي لا يوظف من إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن وحزبه في سياق الدعاية الانتخابية، بتصويره انتصاراً وهمياً لسياسة واشنطن».
ويشدد الخبراء على أن الانسحاب مرتبط بظروف وحسابات عسكرية محضة، أبرزها أن القوات الأوكرانية تسعى جاهدة لتدمير خيروسون كونها تعتبرها مدينة روسية، مؤكدين ان هذا لا يعني أن المعركة هناك حسمت، فهذه تراجعات تكتيكية لتجميع القوى وبانتظار التحاق قوات الاحتياط بالجبهات، وحينها ستختلف مجريات الحرب ولا شك، كون خيروسون من المناطق الأربع التي اختارت الانضمام لروسيا، ولن تفرط فيها موسكو أبداً».
ويسترسل هؤلاء في شرح خلفيات القرار بالقول: «كييف تسعى لتفجير سد كاخوفكا وهو ما سيهدد حياة السكان في مختلف المناطق المحيطة بخيروسون شرقاً وغرباً، وروسيا لن تسمح بتدمير خيروسون وتحويلها لساحة حرب، لهذا فالانسحاب يندرج في سياق حماية المدنيين والبنى التحتية للمدينة، لكن في حال اعتبار كييف ذلك بمثابة انتصار لها، فإن موسكو ستعلن توسيع الحرب هناك، واعتماد خطط وأساليب أقوى ضد القوات الأوكرانية».
على أي حال التوقيت، أي الانسحاب، قد يفهم منه أنه، ربما يكون خطوة روسية في سياق الحديث المتواتر عن بدء المفاوضات لوقف الحرب، خاصة في ظل ما سربته صحيفة «واشنطن بوست» عن أن الإدارة الأميركية نصحت كييف بإبداء المرونة حول الحوار، كل هذا قد تجيب عنه الأيام القادمة وعلى ضوء التطورات الميدانية.