ملامح مصافحة جديدة بين الصناعي السوري و«بيت التمويل» الحكومي على «منصّة تشرين».. البيطار: فكرة الصناعيين عن كثرة الضمانات المطلوبة خاطئة
دعدوش: سمعة رجال الأعمال السوريين المصرفية تعززت خارجياً رغم الحرب.. البيطار: احتساب الفوائد لدينا بطريقة لمصلحة المقترض والمصرف.. دعدوش: آثرت الإبقاء على أعمالي في بلدي رغم الظرف الصعب لأن لها عليّ حقاً
تشرين: باسم المحمد – إبراهيم غيبور:
بات مشهد التمويل الصناعي والإنتاجي عموماً، على أعتاب مرحلة جديدة لا يملك كل من يتحرى عن تفاصيلها إلّا أن يتفاءل بالقادمات من الأيام على الرغم من صعوبة الموقف العام على خلفيات الأزمة بظلالها الثقيلة.
اليوم ثمة معادلة جديدة طرفاها رجال أعمال وحكومة، وقوامها نيات صادقة على المصافحة الدافئة وعزم معقود على الشروع برحلة استدراك مكثفة لسنوات النزيف الاقتصادي الحاد.
ويبدو المصرف الصناعي اليوم الذراع الحكومية الفاعلة وسط المنظومة المصرفية، في التوجه نحو قطاع الأعمال، والأخير يبدي استجابات طيبة لدعوات الحكومة المعززة بسلة تسهيلات حقيقية، والنتائج بدأت فعلاً.
من على “منصة تشرين” نحاول اليوم استشراف جديد مشهد التمويل الصناعي- الإنتاجي، من خلال ضيفين لم يبخلا بالكثير من الأفكار والمعطيات الجديدة، التي تدعو للتفاؤل فعلاً.
مدير عام المصرف الصناعي وجيه البيطار، والمهندس محمد مهند دعدوش عضو مجلس إدارة غرفة صناعة دمشق وريفها، كانا ضيفي المنصة اليوم، وكان حديثاً شفافاً وغنياً بكل معنى الكلمة.
خطا ثابتة
بخطا ثابتة، استطاع المصرف الصناعي خلال السنوات القليلة الماضية أن يثب حضوره كشريك فاعل في عملية التنمية الصناعية عبر تمويله العديد من المشاريع الإنتاجية، ويشهد له في ذلك العديد من الصناعيين الذين واكبوا التقدم الملحوظ في عمله كواحد من المصارف العامة التي تمكنت من تحقيق نقلات نوعية على أكثر من جبهة، سواء لجهة التسهيلات الائتمانية التي قدمها ويقدمها لخدمة العديد من الغايات الصناعية، أو لجهة قطعه شوطاً كبيراً في استرداد ديونه «القروض المتعثرة» وتوظيفها في الأقنية المناسبة.
إذ يؤكد بيطار أن المصرف يقدم تسهيلات ائتمانية للراغبين بالحصول عليها لغايات صناعية، كتأسيس مشروع أو زيادة رأس المال العامل لمنشأة قائمة، وكذلك شراء الآليات، وهنا يقدم المصرف 50% من التسهيلات اللازمة لإقامة أي مشروع صناعي، وكذلك لإقامة مشاريع تخدم الشق التجاري والزراعي والحيواني.
أما على صعيد المقاولات، فيقول بيطار: يمنح المصرف قروضاً للمقاولين وتسهيلات على شكل كفالات لدخول المناقصات والتعهدات كما يقدم لهم قروضاً لهذه الغايات، ومؤخراً بدأ المصرف بمنح قروض للطاقة الشمسية، ولكنه توقف عن المنح لأسباب تتعلق بتوسيع وتنظيم هذا النوع من القروض عبر صدور مرسوم خاص بقروض الطاقة المتجددة وتأسيس صندوق دعم الطاقة المتجددة، ونحن اليوم نجري مباحثات مع الصندوق لتوقيع اتفاقية خاصة بهذا الشأن، إذ تم توقيع اتفاقية إطارية عامة بين الصندوق وجميع المصارف، ليجري بعدها كل مصرف مباحثات خاصة به..
ضمانات (الصناعي)
ولعلّ الحديث عن الضمانات التي يطلبها أي مصرف تؤرق الراغبين في الحصول على قروض أياً كان نوعها، والمصرف الصناعي ليس بعيداً عن هذا الأمر، رغم اختلاف طبيعة عمله عن بقية المصارف الأخرى، ولكن مدير عام المصرف وجد في هذه المناسبة فرصة لإزالة أي هاجس يتعلق بالضمانات، ويؤكد أن المشروع الذي يقوم المصرف بتمويله يكفل نفسه بنفسه، وذلك من خلال منح القرض لصاحب المنشأة وفق مراحل التنفيذ، ويشرح بيطار هذا الأمر بقوله: مبدئياً عندما يفكر أي صناعي بإقامة مشروع في إحدى المدن الصناعية لابدّ من أن يقدم دراسة عن الجدوى الاقتصادية لمشروعه والتي يطلع عليها المصرف ويقوم بدراستها، وأن يمتلك الأرض اللازمة، ولكن قيمة هذه الأرض لا تعادل قيمة القرض اللازم للمشروع، لذلك توجه المصرف بموجب التعليمات الناظمة لمنح التسهيلات إلى منح الصناعي قرضاً يبدأ به بتأسيس مشروعه كتشييد البناء على الهيكل، عندها ترتفع قيمة المشروع، وبعد التأسيس يمنح المصرف دفعة أخرى من القرض لشراء الآلات على سبيل المثال بنفس النسبة، وهكذا يتم منح القرض على مراحل، بحيث تكفل كل مرحلة قيمة الدفعة التي منحها المصرف، وبالتالي نصل إلى مشروع يكفل نفسه بنفسه، أي يكون هو الضمانة لتسديد القرض، وبهذه الطريقة لن يكون هناك أي مشكلة في البحث عن ضمانات للمصرف، لافتاً إلى أن الصناعي الحقيقي والراغب في العمل يتبع هذه الطريقة، لأنه لو حصل على كامل قيمة القرض اللازم للمشروع لن يكون قادراً على سداده، وهنا يتبلور الدور الذي يقوم به المصرف من خلال تنظيم العلاقة بينه وبين المقترض، مع العلم أن المصرف قام بالتسويق لهذه الآلية في جميع المحافظات والمدن الصناعية ووضع الصناعيين بصورتها.
فوائد أقل
أما الفوائد التي يطبقها المصرف على القروض التي يمنحها، والتي يجدها البعض مرتفعة نوعاً ما، هنا يؤكد البيطار أن مصرف سورية المركزي حدد الحد الأدنى للفائدة على جميع أنواع القروض، وترك الحرية للمصارف بتحريك هذه النسبة وفق الهامش الذي يراه المصرف مناسباً، لافتاً إلى أن نسبة الفائدة التي يتقاضاها على القروض طويلة الأجل تصل إلى 17% لقروض التأسيس على سبيل المثال، وهي فائدة بسيطة متناقصة، وإن كانت هذه النسبة عالية بنظر البعض فهذا يعود إلى عوامل عديدة أهمها التضخم وارتفاع الأسعار، معتبراً أن صندوق دعم الفائدة ساهم إلى حدٍّ كبير في تخفيض الفائدة على القروض الخاصة بالعديد من المشاريع الإنتاجية في بعض القطاعات، وبعيداً عن القروض الصناعية، فقد أثبت المصرف حضوراً واسعاً في قطاع المقاولات والتعهدات، من خلال منح المقاولين تسهيلات على شكل كفالات، وقروضاً أيضاً لدخول المناقصات والتعهدات، بل وأصبح شريكاً مهماً في تطوير هذا القطاع، وحسب مدير عام المصرف، فقد اتخذ المصرف مجموعة من الإجراءات الجديدة الكفيلة بتوسيع عمل المصرف على جبهة المقاولات والتعهدات، وهي منح الكفالات للمقاولين من دون ضمانات عقارية، وفتح سقوف التسهيلات بموجب حوالة حق، أي أن تقوم الجهة المانحة للتعهد بتحويل صرفيات المقاول أو المتعهد إلى المصرف، والإجراء الآخر يتمثل بمنح تسهيلات وكفالات بضمانة كفالة المتعهدين أو المقاولين، كأن يمنح المصرف التسهيلات المطلوبة لثلاثة مقاولين يكفلون بعضهم لدى المصرف.
وتشكل قروض الصناعيين والحرفيين 65% من إجمالي القروض التي منحها المصرف، حسب تأكيد البيطار، مشيراً إلى أن المصرف وظف ما يقارب 10 مليارات ليرة خلال النصف الأول من العام الجاري، مع العلم أن خطة المصرف لهذا العام تتضمن توظيف 25 مليار ليرة، إضافة إلى أن المصرف يخطط لزيادة حجم الودائع والأرباح التشغيلية، مضيفاً أن المصرف استطاع تخفيض ملياري ليرة من حجم القروض المتعثرة خلال النصف الأول أيضاً، وهذا يُعدّ إنجازاً للمصرف خلال وقت قياسي، إضافة إلى أن المصرف منح قرضاً بقيمة مليار ليرة لمنشأة، مع العلم أن سقف القروض لدى المصرف لا يتجاوز الـ500 مليون ليرة، إلّا أن هناك من تقدم للحصول على قرض يفوق المليار تجري دراسته حالياً، وهناك فتح سقوف لإقراض بعض المشاريع، وفيما يتعلق برأسمال المصرف، أكد البيطار أنه ارتفع ليصبح 14 مليار ليرة مسددة، وهذا يساعد المصرف على التوسع في جبهات عمله وآفاق خططه المستقبلية.
شريك للصناعيين
ويشهد قطاع الصناعة الوطنية على الخطوات التي قام بها المصرف الصناعي في سبيل أن يكون شريكاً فاعلاً في عملية التنمية الشاملة ولاسيما الصناعية منها، إذ أبدى الصناعي المهندس محمد مهند دعدوش أحد أكبر صناعيي النسيج وعضو غرفة صناعة دمشق عن هذا القطاع إعجابه بالتسهيلات التي يقدمها المصرف الصناعي، ولكنه لم يخفِ قوله إن معظم الصناعيين لا يعلمون بهذه التسهيلات، وهذا الأمر يستلزم تسويقاً واسعاً من قبل المصرف، لأنّ – برأيه- أي سلعة أو خدمة تحتاج تسويقاً حتى تجد طريق النجاح.
وأيّد دعدوش الآلية التي يقوم بها المصرف الصناعي بمنح قروضه للصناعيين، وقال: إن الصناعي الذي يهدف إلى النجاح في عمله ولديه الرغبة الحقيقية في العمل لا يسعى إلى الحصول على قرضه كاملاً من المصرف، لأن ذلك سيجعله غير قادر على السداد ولا على تلبية احتياجات مشروعه بسبب ارتفاع معدلات الفائدة، مع إشارته إلى أن معدلات الفائدة قبل الحرب على سورية كانت مرتفعة، رغم ذلك كان هناك إقبال شديد على القروض باعتبار أن العمل في جميع القطاعات كان في وضع جيد، حتى إن بعض البنوك في الخارج كانت تشيد بسمعة الصناعيين السوريين وكانت تدعوهم بشكل مستمر للحصول على قروض منها من دون أي ضمانات، حتى إن مدير أحد المصارف الأجنبية استغرب من أن السوريين الحاصلين على قروض من مصرفه استطاعوا تسديد التزاماتهم في فترات قياسية وخلال سنوات الحرب، لافتاً إلى أن 90% من قروض المصرف الذي يديره مُنحت للسوريين، ويُضيف: إنه في حال تأخر أحد السوريين عن تسديد قرضه فإنه يتواصل مع المصرف لإعادة جدولة دينه خلال فترة زمنية محددة، وهذا الأمر للأسف لم يحصل مع معظم الحاصلين على قروض من المصارف المحلية.
التزام أخلاقي
ولدى سؤاله عن عدم هجرته إلى خارج سورية كأي صناعي هاجر ونقل أعماله إلى الخارج، قال دعدوش: منذ بداية الحرب اتخذت قراراً بعدم الهجرة رغم إن عائلتي كانت تقيم في فرنسا منذ عام 2009 لأسباب لها علاقة بالاطلاع على الحياة في الخارج وتمهيداً لدخول أبنائي إلى الجامعات الدولية، ولم أهاجر لأسباب أخلاقية ودينية، وإيماناً مني بأن الله هو الرزاق، وشركتنا بدأت العمل منذ عام 1954 وكان لدينا أكثر من 400 عامل في ذلك الوقت وكان لدينا معامل في لبنان والأردن، واليوم أكمل مسيرة ما بنته عائلتي، ويرى دعدوش أن هناك أسباباً عديدة دفعت بعض الصناعيين إلى نقل معاملهم إلى الخارج، أولها العقوبات والظروف الأمنية التي شهدتها سورية خلال سنوات الحرب، حتى بعد استقرار الوضع الأمني فهناك من ذهب إلى الخارج ونقل أعماله ونشاطاته لأسباب عديدة، لافتاً إلى أنه كصناعي لم يفكر في الخروج من سورية ونقل أعماله، على الرغم من أنه تعرض للخطف من قبل المسلحين لمدة 15 يوماً..
الحفاظ على العمال
ولم يخفِ دعدوش أن حوالي 70% من إنتاجه كان يذهب إلى أوروبا، ولزبائن رفيعي المستوى، وأضاف : وعند بداية الأزمة، توقف الجميع عن استجرار إنتاجنا، ورغم ذلك لم نتوقف عن العمل، حتى بوجود منافسين لدينا في تركيا، بل قمنا بفتح فروع لنشاطنا في أكثر من دولة عربية من أجل استمرارية عملنا وعدم توقف معملنا عن الإنتاج، لافتاً إلى أنّ فتحَ العديدِ من الفروع كان بهدف تصريف منتجات معملنا في سورية، مضيفاً: إن ما ساعدنا على النجاح في استمرارية عملنا هو الحفاظ على العاملين لدينا ولاسيما مديرينا الرئيسيين الذين يعمل البعض منهم منذ 25 عاماً وأكثر، وقال: مؤخراً استقال أحد العمال في معملنا وعمره 78 عاماً بعد 68 عاماً من العمل معنا.
تعويل على الحوار
وعوّل مدير عام المصرف الصناعي والمهندس دعدوش على أهمية تقديم المقترحات من قبل الصناعيين، لأن تلك المقترحات تغني العمل وتزيد من حالة الدفء بين الحكومة والصناعيين، واعتبرا أن تلك المقترحات من شأنها أن تعود بالفائدة على الجميع، إلّا أنّ تلك المقترحات لابدّ من أن تُقدم من قبل المختصين في كل قطاع، حتى يتم الأخذ بالمقترحات المقدمة ولابدّ من متابعتها حتى تجد طريقها إلى التنفيذ.