“يوتيوبرات” الخراب وانتهاك الأخلاق والخصوصية!
هدى قدور
يقلد الكثير من “اليوتيوبريين” السوريين برامج صناع الفيديو في الغرب، وللأسف لا يحاولون البحث عن عناوين محلية تناسب البيئة وتنسجم مع معاناة الناس وأحلامها. فما يهمهم هو الحصول على أكبر عدد من المتابعين على القناة وهو ما يخولهم قبض مبالغ مالية شهرية من “غوغل” عبر الإعلانات.
المسألة هي حسابات متعلقة بالربح بغض النظر عن الأضرار التي تسببها تلك البرامج للناس المشاركين ولعائلاتهم ومعارفهم، ففي معظم الأحيان يتسرع الضيف المتورط بالموافقة على بث الفيديو ولا يعرف تبعاته، ولأن العامل الأخلاقي غائب عن هذه المهنة الجديدة التي تعمل بلا ضوابط أكاديمية أو أخلاقية، فإن كل الاحتمالات واردة في مقالب الكاميرا الخفية وفي فيديوهات الشارع التي تنتهك الحرية الشخصية وكرامة الفرد من أجل كسب المال فقط.
بالتأكيد هناك أصابع خفية تجلس خلف كواليس العصر الإلكتروني تحرك تلك المؤامرة الكبيرة لتجريد الإنسانية من مضامينها الأخلاقية وأهدافها السامية، فالناس لم تعد تقرأ الكتب بل تشاهد الصور والأفلام، ولم تعد تهتم بالقضايا الجوهرية لأنها لا تمتلك الوقت الكافي، ولا تتواصل مع بعضها بالشكل الطبيعي لأنها مشغولة دائماً بالسوشيال ميديا. كل ذلك سيؤدي بشكل طبيعي إلى كوارث أكبر مما نشاهده اليوم في شوارع المدن العربية من صناع المحتوى البصري الذين يمكن أن يفعلوا كل شيء من أجل الإثراء السريع. كل شخص يمكن أن يصبح صاحب قناة على اليوتيوب ويمكن أن يصور ما يشاء بلا شروط أخلاقية أو مبادئ، وهذا الأمر يتحول إلى جائحة مرضية بسبب عدم تكافؤ الفرص مع المواقع والقنوات الهادفة والجادة التي تعاني في العمل بسبب قلة الموارد والشروط وغياب البنية التحتية.
تسببت الأسئلة التافهة الممتهنة لكرامة الإنسان بموجات غضب كبيرة في الشارع العربي، وكان استغلال حاجة الناس المادية هو الوسيلة التي مارسها صناع الفيديو من أجل حث الأشخاص على المشاركة في البرامج والإجابة عن الأسئلة المحرجة والقيام بتصرفات مذلة أمام المشاهدين، وقد ساهم في ذلك جهل الناس بمدى انتشار تلك القنوات وقدرتها على جذب المشاهدين عندما يكون الفيديو ينطوي على الإثارة والمواضيع غير المألوفة، وكان اكتساح مواقع التواصل الاجتماعي من أسراب من جراد الجشع المادي هو الظاهرة الأبرز خلال السنوات الماضية حيث شهدنا انتهاك الخصوصيات عبر التصوير السري للشخص وتعريضه للمقالب المهينة أو اللعب بأعصابه إلى درجة المخاطرة بصحته الجسدية أيضاً.. هذه القضايا تحتاج إعادة نظر، فما يصح في المجتمعات الغربية لا يصح عندنا، بل إن سلوك أولئك “اليوتيوبريين” يمكن أن يسيء إلى مفهوم الرسالة الإعلامية التي يريدون تجريدها من أهدافها السامية ليزجوا بها في بازار الكسب غير المشروع عبر المتاجرة بالأخلاق وعدم احترام الخصوصية.