بدأت الأسبوع الماضي في نيويورك أعمال القمة رفيعة المستوى للجمعية العامة للأمم المتحدة، وكانت البداية بعقد قمة خاصة بالتعليم، استمرت يومين حول سياسة (التعليم للجميع) وتحت شعار (تحويل التعليم) نحو التنمية والتعاون والابتكار. الأمر الذي يجعل المتابع يبحث عن طه حسين في هذه القمة. خاصة أنه منذ الثلث الأول من القرن العشرين، وهو يقود حركة (التعليم للجميع) ليس في مصر فقط بل في العالم العربي الذي استلهم فلسفته التربوية في نشر التعليم وتطبيق آرائه في إلزامية التعليم وتمكين الجميع من التعلم، باعتبار أن عملية التعليم أساس النهضة الحضارية كما كان يقول طه حسين. وهي جوهر عملية التمكين كما يقول أمين عام الأمم المتحدة (غوتيريش) في قمة التعليم الأسبوع الماضي.
لاحظ الأمين العام للأمم المتحدة في كلمة له في قمة التعليم أن 70% من أطفال الدول الفقيرة لا يستطيعون قراءة نص بسيط أو قصة صغيرة. لأنهم إما خارج المدرسة أو أنهم يتلقون تعليماً سيئاً في مدارس ضعيفة. وأوضح تقرير لليونسكو واكب قمة التعليم أن الأميين بين من يتلقون التعليم أكثر من الأميين بين من لم يتلقوا تعليمهم في المدارس. ودعا غوتيريش الحكومات في هذه الدول لجعل التعليم أولوية الأولويات لأنه الاستثمار الأمثل لطاقات الشعب، كما نبه غوتيريش إلى حقيقة أن التعليم في الدول الغنية ينشر اللامساواة ويعيد إحياء أشكال من العنصرية المقيتة. والتقى غوتيريش مع معظم الطروحات في أن (التعليم يعاني من أزمة عميقة) ولابدّ من حشد دولي لمعالجة هذه الأزمة التي تزعزع استقرار المجتمعات، وتنشر الجهل اللازم لانتشار الإر*ه*اب، وتعميق الفقر كأساس لكل اضطراب وفوضى.
طه حسين دعا إلى نشر التعليم ونفذ رؤيته أثناء توليه وزارة المعارف بفرض إلزامية التعليم للمرحلة الابتدائية و التعليم الأساسي. كما كرّس التعليم الجامعي المجاني عبر (المنح للمتفوقين) مؤكداً نوعية و جودة هذا التعليم. بحيث يبني شخصية الطالب ويشجعه على البحث والدرس ويحفزه على اعتماد الحوار واحترام الآخر، ويزوده بالمعارف والعلوم ليكتسب الخبرة اللازمة في مجال من المجالات، وليمتلك الكفاءة التي تؤهله لاختصاص من الاختصاصات. وأهمية نشر التعليم حسب طه حسين تقترن بأهمية نوعيته وجودته، واليوم كم يحتاج العالم العربي لاستعادة هذا النهج في التعليم بعد تطويره وتزويده بكل ما أنتجته الإنسانية من تكنولوجيا وتقدم!
فات قمة التعليم في نيويورك؛ الإشارة إلى أن بعض سياسات الهيمنة والعقوبات الاقتصادية أحادية الجانب تصيب في ما تصيب التعليم، وتعتدي بذلك على حق من حقوق الإنسان. كما أن الإشارة إلى منع طالبان للفتيات من التعليم كان يجب أن تقترن بإدانة ما تقوم به “إسرائيل” من تشويه منهاج التعليم في القدس الشرقية وفي المناطق العربية، حيث منعت الأسبوع الماضي المدارس العربية من دراسة مواضيع العودة، ومحمود درويش، وعبد الناصر، لحرمان طلبة فلسطين من معرفة تاريخهم في مسعى لطمس الهوية العربية عندهم.
لابدّ أن طه حسين غاضب من حال التعليم في العالم العربي اليوم. ولابدّ أنه ناقم على أي سياسة من الدول العظمى، تسهم في إحباط التعليم أو تزويره. وحتماً لو أتيح له اليوم أن يكون فاعلاً بحق لقام بإلزام الحكومات العربية بجعل التعليم الرسمي في المدارس الحكومية هو التعليم الأرقى والأقوى بدلاً من سعيها لتدمير التعليم الحكومي لمصلحة (بزنس التعليم) الذي يحصر التعليم بمن يملك المال ويحرم الفقراء منه. لذلك لو كان لطه حسين اليوم رأي لجعل شعار قمة التعليم (التعليم من أجل عالم أكثر إنسانية وتعاوناً ومساواة وعدالة وحرية وسلاماً)..