«ملف تشرين».. مشروع منها سيوقع قريباً بآلاف المليارات.. التشاركية إكسير الحياة للقطاع العام

نشرين- باسم المحمد:
طرحت التشاركية كإحدى الصيغ الفعالة لإعادة إحياء شركات القطاع العام المتوقفة أو لاستثمار موجوداتها المجمدة، أو لتطوير البنى التحتية وفي إعادة تأهيل المرافق والمؤسسات، كبديل استثماري يضاف إلى خيارات الاستثمار المتاحة أمام القطاعين العام والخاص في مرحلة إعادة الإعمار، وفي هذه المرحلة هناك حاجة ماسة لتحقيق أفضل قيمة مقابل الإنفاق العام على البنى التحتية والاستغلال الأمثل للموارد، وهي المزايا التي تتيحها التشاركية عند تطبيقها بكفاءة باعتبارها تعكس تقاسماً للأعباء والعوائد بين القطاعين.
تتيح التشاركية إمكانية تحقيق قيمة أفضل مقابل المال المرتبط بإنفاق القطاع العام من خلال نقل المسؤولية عن الحياة الكاملة لتكاليف المشروع نتيجة التعاقد على عدة أنشطة مرة واحدة مع القطاع الخاص كالبناء والتشغيل والصيانة وغيرها، وتحويل المخاطر بحيث يتولى كل طرف مسؤولية المخاطر الأقدر على إدارتها، إلى جانب الاستفادة من مهارات القطاع الخاص.
المتوقع
كان من المتوقع والمخطط لهذه الصيغة تحقيق المنافع المرتبطة بتخفيف قيود الميزانية والاستفادة من جذب أموال إضافية من القطاع الخاص، بما في ذلك رأس المال الأجنبي لتنفيذ مشاريع كان من غير الممكن القيام بها من دون إشراك القطاع الخاص، بما يتيح مثلاً إطالة فترة السداد مقابل المشاريع الجديدة بدلاً من سدادها مرة واحدة، أو بدلاً من تأجيل تنفيذها، بما يسهم في تسريع استثمارات البنى التحتية اللازمة والاستفادة من مزايا هذه الاستثمارات، وبالتالي تجاوز القيود قصيرة الأجل التي تواجه تنفيذ الاستثمارات المطلوبة، ومن ثم تسريع استثمارات البنية التحتية بما يقود بدوره إلى انخفاض معدلات التكاليف المرتبطة بتنفيذ المشاريع المترتبة على القيمة الزمنية للنقود والضغوط التضخمية في الاقتصاد.
مسار قديم
صدر قانون التشاركية عام 2016 وكانت الحاجة لاستكمال المتطلبات اللازمة للإطار الناظم، وعليه صدرت التعليمات التنفيذية عام 2017، ليباشر مكتب التشاركية في هيئة التخطيط والتعاون الدولي عمله عام 2018، وقام بإعداد اثنين من الأدلة الاسترشادية التي تساعد الجهات العامة وترشدها في كيفية طرح أفكار مشاريع التشاركية وكيفية التقدم بإجراءاتها، بحيث صدق مجلس التشاركية على هذه الأدلة التي جرى تعميمها على الجهات العامة.
كما قام المكتب بإنجاز المرحلة الأولى من خطة بناء القدرات من خلال تنفيذ البرنامج التدريبي التخصصي الأول عالي المستوى على نماذج التشاركية بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP)، بحيث خضعت للبرنامج مجموعتان من المتدربين ضمت المجموعة الأولى متدربين تم ترشيحهم من قبل الجهات العامة المرجح أن يكون لديها مشاريع تشاركية، في حين ضمت المجموعة الثانية متدربين تم ترشيحهم من الاتحادات والنقابات.
وكان المجلس قد وجه في اجتماعه الأول المنعقد بتاريخ 16/8/2018 بضرورة إعداد التصورات المرجعية لسبعة مشاريع مقترحة من قبل الجهات العامة، وأن يتم ذلك وفقاً للآلية الموضّحة في الدليل الاسترشادي الأول، وبالتنسيق بين الوزارات المعنية ومكتب التشاركية خلال مدة أقصاها شهران، تخص هذه مقترحات وزارات الكهرباء والنقل والصناعة والإدارة المحلية والبيئة، لتقييم هذه المشروعات واتخاذ قرار إن كانت ستنقل إلى المرحلة التالية بالاستناد إلى النتائج التي تقود إليها هذه الدراسات، إلّا أنه وحتى تاريخه لم نلحظ أي نتائج على أرض الواقع وعدم اتخاذ أي قرار.
وبناء عليه يمكن القول إن مكتب التشاركية لم يقبل حتى الآن أي مشروع طرح عليه والسبب حسب الوزارات المعنية عدم إرفاق مشاريعها المطروحة بدراسات جدوى والتي من المفترض أن تكون من أساسيات الاستثمار، أو طلبها بالسماح لها بالاستعانة بمكاتب استشارية “خاصة” رغم جيوش الكوادر الإدارية الموجودة فيها ؟ هذا إضافة إلى قيام بعض الجهات بتقديم مشروعات تحقق في كثير من الأحيان مصلحة المستثمر الخاص بشكل لم يكن يتوقعها لنفسه؟ وبالنتيجة ما قام به المكتب هو رفض عشرات المشروعات المقترحة ….
العراقيل

من خلال متابعة مقترحات المشاريع مع الجهات العامة، يمكن أن نفسر جانباً من الأسباب التي تحول دون تحقيق انطلاقة كبيرة للتشاركية؛ وأهمها عدم وجود آلية واضحة لديها في اتخاذ القرار والعمل وفق الدليل الاسترشادي المعتمد وتأخرها في إرسال المعلومات والدراسات المطلوبة، وهو ما قد يشير إما لعدم جدية الاقتراح والرغبة بالتقدم به من قبل الجهة صاحبة الاقتراح، أو عدم قدرتها على جمع المعلومات المطلوبة. كما أن عرض الجهات المعنية لأفكارها الاستثمارية بعدة صيغ (من ضمنها التشاركية) في عدة مناسبات وعلى مسارات تعاقدية مختلفة يشير إلى عدم وجود رؤية واضحة أو إيمان بمسار التشاركية ما يعقد عملية التعامل مع الأفكار المطروحة، هذا إضافة إلى عدم الاستناد في عملية طرح الفرص الاستثمارية ذات الطبيعة التشاركية والإعلان عنها على قانون التشاركية بسبب الروتين وغياب التنسيق بين الجهات التابعة لوزارة واحدة في كثير من الأحيان، وتتجلّى هذه المسألة بقيام بعض الجهات العامة بالإعلان عن فكرة مشروع معين باعتبارها فرصة، أو حتى مباشرتها بالتفاوض مع طرف ما حول المشروع، وذلك من دون الاستناد للقانون.
المطلوب
وبناء على ما تم ذكره من صعوبات ومحددات يصبح العامل الأول لنجاح صيغة التشاركية بشكل سليم تطبيق القانون من حيث التزام الجهات العامة بالمسار الإجرائي المحدد وعدم طرح مشاريع تشاركية خارج القانون، وأن تقترح المشروعات وفق الأساليب التي نصّ عليها القانون رقم /5/ لعام 2016 وتعليماته التنفيذية، والاستعانة بالأدلة الاسترشادية المصدق عليها من قبل مجلس التشاركية، وهذا ما يمكن أن يحقق انسجام الأطراف في عملية التشاركية، ويحد من الأخطاء ويعزز المصلحة العامة، وبالتالي تقليل مخاطر فشل المشاريع.
كما تحتم التجارب السابقة مع المشروعات التي طرحت سابقاً أن تمتلك الجهات العامة القدرات الفنية لضمان الإعداد السليم لمثل هذه التعاقدات، وأهمها البيانات المطلوبة، ومن ثم إجراء دراسات الجدوى وتغطية الجوانب ذات الصلة بكفاءة.
ويمثل توفير بيئة الأعمال التي تتميز بالشفافية والتنافسية أحد أهم أركان نجاح التشاركية والحصول على أفضل العروض، مع ما تتضمنه من توفير الأمان القانوني والنقدي وأدوات التحوط من مخاطر التضخم وتقلبات سعر الصرف ومنتجات التأمين التي باتت سائدة في معظم دول العالم.
على الطريق
طرح رئيس مجلس الوزراء المهندس حسين عرنوس خلال المؤتمر الأخير لنقابات العمال موضوع تحسين وضع توليد الطاقة الكهربائية ومن بين المشروعات التي ذكرها استكمال عقد التشاركية لتأهيل محطة دير علي بما ينعكس إيجاباً على الواقع الكهربائي، ومن المتوقع أن تكون قيمة هذا العقد من فئة تريليونات الليرات، وبالتالي ربما سنشهد توقيع العقد الأول وفق صيغة التشاركية.
إجراءات مهمة
خبير المخاطر وتطوير الأعمال ماهر سنجر رأى في تصريحه لـ”تشرين” أن التعاقد على هذه المشاريع يجب أن يتم بالاستناد إلى أسس واضحة ومستقرة تضمن الشفافية واتساق الإجراءات واستقرارها بما يساعد على تراكم الخبرات في مجال إجراء مثل هذه العقود، ولذلك كان إصدار قانون التشاركية، فالغاية الرئيسة بشكل أو بآخر هي إعادة تشغيل المؤسسات المتوقفة لكن في ظل الظروف الحالية من الجيد إعادة النظر بعدة أمور قد تسهم في إزالة جزء من العراقيل أمام هذا المسار المخطط والذي أقر في العام ٢٠١٦ ومن أول هذه الأمور: النظر باعتماد معايير تحليل الأعمال حيث إن دراسة الجدوى الاقتصادية غير كافية وحدها في ظل ظروف متقلبة وعوامل اقتصادية غير مستقرة بالتالي لابدّ من الاستناد لمعايير تحليل الأعمال و أولها بناء دراسة الجدوى الاقتصادية مرفقة بدراسة القدرة على الاستمرار لهذه المشاريع ومرفق بما يطلق عليه دراسة تحليل الإمكانات الحالية لهذه المؤسسات.
وأضاف سنجر: الموضوع لا يقتصر على مدى ربحية هذه المؤسسات بل على مدى فاعلية هذه المؤسسات لاحقاً وخاصة في حال توفر الأصول لدى بعض هذه المؤسسات والواجب إعادة تقييمها ودراسة قدراتها الإنتاجية والتي قد لا تتناسب مع طبيعة الظروف المتغيرة إضافة إلى عمالة تحتاج إعادة النظر بكفاءتها ومؤهلاتها وقدرتها على التعامل مع منهجيات مختلفة من طرق الإدارة، كما أن حجم البطالة المقنّعة في هذه الشركات المطروحة للتشاركية يتوجب أن يكون موضع دراسة، ومن الجيد أيضاً النظر إلى الموضوع من باب تطوير الأعمال حيث إن التشاركية أحد أساليب تطوير الأعمال وبالتالي موضوع التشاركية هو حالة إستراتيجية طويلة الأمد، لذا من الجيد عدم الطرح على صيغة مشروع للتشارك بل على صيغة أولويات احتياجات السوق والمساهمة الأكبر في تحقيق الإيرادات اللازمة للاقتصاد الوطني، فمشاركة القطاع الخاص ترتبط بتحقيق الربح من هذه الشركات من خلال إدارة فاعلة لها.

وبالنسبة للدور الاجتماعي لهذه المؤسسات حسب سنجر فهو ما يتوجب النظر به لكون المستثمر يتوقع استعادة أمواله المستثمرة وتحقيق العائد المخطط له أكثر من المساهمة في تحقيق الدور الاجتماعي، إضافة لذلك سيتأثر الإقبال على التشاركية بقوة المنافسين الفاعلين في الصناعة نفسها ولنأخذ موضوع معامل السكر كمثال حيث إن القطاع الخاص استثمر بهذه الصناعة واكتسب تموضعاً قوياً في السوق المحلي ومن الصعب على بقية المستثمرين المنافسة بسهولة.

أقرأ أيضاً:

«ملف تشرين».. بين مزايا مذهلة وعيوب يمكن تداركها.. خبير اقتصادي: التشاركية ستجعل المرافق العامة أكثر فعالية.. وتخفف المخاطر وتحقق التعاون والصالح العام.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار