هيستيريا الموبايل
بعبارات مكررة ومتلاحقة وبعصبية لافتة ولأكثر من ربع ساعة كان صوت ذلك الفتى يدوي عالياً من أحد شقق الأبنية المجاورة وكأنه مصاب بنوبة هيستيريا محمومة بالانفعال الشديد.. لم يهدأ أبداً مردداً العبارات نفسها عن رغبته في الحصول على شيء ما، وكان صوته كفيلاً بلفت انتباه كل الجيران وإقلاق راحتهم عند العصر حيث للتو عاد الأغلبية من أشغالهم.
أثناء هذه المعزوفة النشاز شدنا الفضول لتوليف نغماتها لعلنا ندرك سبب الحالة التي أصابت الفتى، وإذا بالإجابة تأتينا بعد طول إزعاج من قوله “بدي الموبايل هاتيه” وعندها أدركنا السبب، لكن استغرابنا الأكبر كان من سلبية الطرف الذي ينادي عليه وهي الأم على الأغلب، حيث قابلت على ما يبدو حالة ابنها ببرود شديد لأنها لم تكن تجيب بأي كلمة ولم تتدخل بإسكاته لتمنع إزعاجه للجوار بل تركته حتى أنهكه التعب من كثرة الصراخ وصمت من ذاته.
المرجح أن الأم قامت بسحب الموبايل من ابنها إما عقاباً على تصرف ما وهو فعلاً في أيامنا هذه يعد الأشد من نوعه في ظل ولع الأبناء الشديد بالجوالات، أو لأنها تحاول تعويده على تركه في أوقات محددة لأن الدراسة بدأت وينبغي أن تأخذ نصيبها الوافر من الوقت.
طبعاً حالة ذلك الفتى من حيث الانشغال بالجوال ليست فريدة بل بمنزلة ظاهرة لدى أبنائنا جميعاً وحتى لدينا نحن الأهل، لكن الخطورة الكبيرة تكمن لدى الأبناء لكونهم غير ناضجين وواعين بالقدر الذي يمكنهم من اختيار المفيد من خدمات الموبايل، حيث تشغلهم الألعاب بشكل يبدد وقتهم لساعات طويلة وقد يتابعون أفلام عنف أو مقاطع منافية للحياء والحشمة ما يؤثر سلباً عليهم وقد يحولهم مع مرور الزمن لأشخاص بسلوكيات عدوانية أو لا أخلاقية.
لا يمكن لأي منا حظر الموبايل عن الأبناء بشكل تام لأنه بات أمراً واقعاً وجزءاً أساسياً من حياة المجتمع، لكن المطلوب وبإلحاح التوعية لتوظيفه في خدمة التعلم وتعزيز المعارف والثقافة العامة، مع أهمية تنظيم وقت استخدامه وحساب ذلك من باب المكافأة على الاجتهاد بالدراسة، ولا شك المسؤولية الأكبر هنا تقع على عاتق الأهل لكن ليس بعيداً عن التشاركية مع المدرسة أو بمنأى عن الدور المنوط بالمنابر الثقافية والتوعوية الأخرى.